الرأي

الإجبار بالحب

د. أمل الطعيمي

مثقفة وكاتبة رأي سعودية .. عميدة كلية الأداب بجامعة الإمام عبدالرحمن (سابقا )، مديرة التحرير بصحيفة "اليوم" (سابقا)

في رأيي هو نوع من أنواع الابتزاز العاطفي ، ومعظمنا يعرف بأن هذا الابتزاز ينقسم إلى أنواع ووسائله كذلك ،وله لغته الخاصة وفقاً للمواقف فهناك لغة تعتمد التهديد أسلوباً لها ، وهناك لغة تعتمد الود والحب لغة لها.

وهناك لغة تعتمد الجسد كالنظرة أو علامات الانكسار والحزن التي يستخدمها الأطفال . ولكن أحياناً هناك لغة تجمع هذا كله ويكفي أن يعلن عنها مرة واحدة ،فهي مجرد أوامر تصدر من المجبر- بكسر الباء –إلى المجبر – بفتح الباء –وهذا النوع يصدر من واقع الحال العام المتعارف عليه في بيئة الأسرة أو البيئة الاجتماعية الأكبر . قبل أيام برز على ساحة التغريد في تويتر وسماً عن النقاب وكالعادة كل طرف لا يقول رأيه ويمضي في سبيله بل يستمر في محاولاته ليقول له الطرف الآخر نعم ، نعم أنت على حق !

وبغض النظر عن الأهداف التي يراد تحقيقها من هكذا وسوم إلا أن الحقيقة التي يعرفها كل مجتمع عن نفسه ولا يمكن أن تفهم سرها الدراسات الدبلوماسية التي تقوم بها السفارات في كل بلد عن الآخر أو يفهمها المستشرق أو المستغرب أو الرحالة أن هناك درجة من الرضا تنشأ بين حدالإكراه والإقناع هذه الدرجة قد تسمى الحب العائلي أو التكريم العائلي وتتطلب التسليم ثم استرضاء الذات حتى يصل بعضهم إلى مرحلة الرضا فعلاً أو التقبل ليثبت في مسار الحياة العادي أو الراكد وربما المتوازن . سواء في لبس النقاب أو غيره مما هو أهم كالزواج مثلاً وهو أكثر ضرراً على فرد بل على مجموعة أفراد .

هناك من يحاول أن يقنع الآخرين بأن النقاب مفروض بالقوة على من يرتدينه استناداً على أنه ظهر وانتشر في الثمانينات مع ما سمي بالصحوة الإسلامية ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم أصبح النقاب عرفاً اجتماعياً وليداً حتى ولو لم يتقبله الجميع منذ بدايته ولم تضعه كل النساء يوماً وهناك من وضعنه في مواضع وتخلين عنه في مواضع أخرى ،وهناك من تضعه
استجابة لرغبة أب أو أم أو أخ حتى ولو أزعجها الأمر إلا أنها تتقبله من أجلهم وحباً وإكراماً لهم وهولاء أنواع فمنهن من تضيق به بعد حين وتحتال في ارتدائه وفقاً للزمان والمكان ولكن يهمها جداً ألا تغضب أحبابها حين يرونها بلا نقاب ،ومنهن من تقبلته تماماً دون اعتراض وتؤكد أنها تضعه بكامل رغبتها حتى ولو خالفت ما بداخلها من عدم القناعة به ولكنها استجابة كاملة للإجبار بالحب .

إن الفترة الزمنية الممتدة على مساحة من الزمن تزيد عن ثلاثة عقود انتشر فيها الفكر المتشدد الذي وجد ضالته في الشأن الاجتماعي ليسيطر من خلاله على العقول والقلوب في مسألة الحرام والحلال والشرف والعار والإخلاص في العبادة أو الكفر كانت فترة كافية لتزرع خوف الناس من بعضهم أكثر من خوفهم من ربهم وكافية جداً لتزرع في الرؤوس الشك وفي السلوك التجسس لتصيد أخطاء الآخرين حتى بدأ الناس الذين وقعوا تحت سيطرة ذلك التيار يمارسون الكذب على أنه حقيقه ، ويمارسون الحقيقة على أنها حالة شاذة ومؤقتة ! ولكن هذا لم يبدل شيئاً ظاهراً في صفحة الالتزام العائلي والحب الأسري الذي يحدث كل شيء تحت غطائه إلا في الحالات التي يظهر فيها العنف والقسوة التي يصطدم بها العقل ويقف ليتساءل هل هذه القسوة من الدين في شيء ؟ هل هذا العنف والترويع تتناسب مع سماحة الدين التي تقرأ في كتاب الله ولاتسمع من أفواه الخطباء الذين كانوا يقلبون الناس على الجمر مابين ( كاسيت ) وآخر وخطبة جمعة وأخرى !

ومعظم الذين عاشوا تلك القسوة كانوا هم أول الفارين من جحيم الصحوة بصورة غريبة وردة فعل عنيفة لا تتناسب تماماً مع كل ما كانوا يوهمون أنفسهم بأنهم ملتزمون به !

اليوم وحين يتناقش الناس عن النقاب أهو فرض أم لا ؟ أهو إجباري أم لا ؟ باستطاعتنا أن نقول بأن مساحة من الحرية يتحرك بها من تعيبهم هي من حقهم أياً كان السبب ومهما كان الدافع أو المانع فهناك ممارسات تقليدية اجتماعية خلقت ازدواجية كبيرة في النفوس ولا يستطيع الجميع أن يتخلص منها بين عشية وضحاها لقد أصبحت جزءاً منهم ويحتاجون لحظة وعي وتبصر حتى يصل المرء منهم لمرحلة الإفاقة التي تجعله يقرر ماذا يريد ولماذا يريد ، وبمن ولمن يهتم أكثر بالله أو بالناس وماذا يريد الله وماذا يريد منه الناس ؟ دعونا نعبر مرحلة التغير بسلام فلا تجبرني ولا أجبرك كما حدث سابقاً . ودعوا من استسلم للإجبار بالحب حرية اختياره ولا توغروا صدره على أحبته ، واتركوا من اختار العيش بغير جلباب أبيه أن يفعل دون أن يعيش دور البطل المناضل فيفرضه على الجميع فهذه أمور لا يتدخل فيها القانون ليسمح أو يرفض ولكن نحن من يحركها بهدوء وباختيار وقرار دون ضجيج مفتعل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *