أحسنوا إلى نسائكم فذلك أقوم

هل أعلنت الحرب القانونية بين النساء والرجال في بلادنا؟

فبعد القرارات التصحيحية الأخيرة التي أعادت للمرأة بعضاً من حقوقها في أن تعتبر إنساناً كامل الأهلية، ومواطناً متساوياً في الحقوق والواجبات، نشر أحدهم، وهو محامٍ كما يبدو، نصيحة قانونية للمقبلين على الزواج قال فيها أنه يمكن للزوج أن يضع في عقد الزواج شروطاً من بينها: ألا تسافر الزوجة إلا بإذنه، وإيقاف أي تطبيق الكتروني إذا رأي ذلك مناسباً (وأظنه يعني تطبيق أبشر)، وأن يوافق الزوج على طبيعة العمل. وختم نصيحته القانونية بنداء صارخ “يا شباب خلوكم رجال وتشرّطوا عليهن أو العزوبية أشرف لكم.. إما تكونوا رجالا في بيوتكم أو خلوهن في نحور اللي ربوهن”.

إلى هنا والأمر قد يكون مقبولاً على رغم فجاجة النصيحة والنداء، فالعقد شريعة المتعاقدين، لكني لن أستبعد أن تنشر محامية، وأعدادهن في تزايد ولله الحمد، نصيحة قانونية مضادة للمقبلات على الزواج، ويمكن أن يكون منها: حقها في العمل في المكان الذي يتناسب مع تأهيلها، حقها في السفر لقضاء أعمالها متى ما أمِنت على نفسها، حقها في منع زوجها من السفر إلى مواطن الفتنة، حقها في قيادة السيارة للتنقل من وإلى عملها وتأمين حوائجها، حقها في الاستقلال المالي، حقها في ألا يتزوج زوجها عليها إلا بإذنها، حقها في حضانة أبنائها القصر، ولها أن تضيف أن تكون العصمة في يدها أن شاءت. وهذه كلها شروط تكفلها الشريعة ويحميها النظام.

آخر، وهو كاتب صحافي هذه المرة، نشر مقالةً أورد فيها إحصاءات عن تزايد معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة، ثم تطوع من عنده بتقديم تفسير لهذه الظاهرة قائلاً بأنها تعود إلى استقلال المرأة في العمل وتملكها لحقوقها، مما حرضها على “التمرد”، وختم مقالته بدعوة العقلاء إلى بحث الحالة وإنهاء حالة التمرد، كأنه يطالب بإلغاء القرارات التي أدت إلى الاستقلال النسائي وصولاً إلى التمرد.

وليت الزميل الكريم دعا الرجال إلى مراجعة أنفسهم في الكيفية التي يعاملون بها زوجاتهم والتي أدت إلى أن يرفضن الاستمرار في الذل الناجم عن الجور وسوء المعاملة، فتطلب الزوجة الطلاق وهي واثقة من أنها لم تعد “مكسورة الجناح” فهي تستطيع القيام بشأنها حتى تجد من يقدرها ويحترمها.

اسم المعركة هي “الولاية على المرأة” ومرجعيتها السيطرة الذكورية وسلاحها سوء فهم متعمد من الرجال لمفهوم الولاية ولمفهوم القوامة، بحيث أصبحت التسلط بدلاً من الرعاية والمودة والرحمة.

والحقيقة أن نظرة منصفة للتنظيمات التشريعية الأخيرة ستكشف أنها في أصلها جزء من ممارسة ولي الأمر لواجباته الشرعية في تحقيق ما هو في صالح المجتمع بجلب المصالح ودرء المفاسد بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية التي هي أساس كل التشريعات والأنظمة التي تصدر في البلاد.

وهي تنظيمات تنظر أولاً إلى أن الرجال والنساء مواطنون على الدرجة والأهلية نفسها من حيث الحقوق من الدولة والواجبات تجاه المجتمع، وتستهدف هذه التنظيمات إيجاد البيئة التشريعية التي تتيح الاستفادة من كل الطاقات في تحقيق النهضة الاقتصادية والتنموية من الجنسين، فكما أنه لم يعد من المقبول أن تحرم النساء من التعليم بسبب أفكار بالية ترى أن خروجها للمدرسة فيه إفساد لها، أصبح من غير المقبول حرمان المرأة من العمل حين تجد في نفسها الرغبة والكفاءة، فالدولة تمنحها الحق في العمل وتحميها من أي سلوك غير سوي قد يرتكبه ضعاف النفوس. كما أصبح من غير المقبول اعتبار المرأة كائناً قاصراً يعامل كالطفل في مسائل تتعلق بحياتها وكرامتها، حتى أنها لم تكن قادرة على اتخاذ قرار بإجراء جراحة في جسدها من دون موافقة “ولي أمرها”، ولا تستطيع السفر للعمل أو لطلب العلم إلا بموافقة هذا “الولي” الذي قد يكون زوجاً يساومها أو ابنا مراهقاً. والدولة حين شرعت هذه التنظيمات انطلقت ليس من الحاجة لتفعيل الطاقة الهائلة لدى بنات وسيدات الوطن فحسب، وإنما أيضاً لأنها تدرك بالأرقام حجم القضايا في المحاكم ودور الرعاية من أفعال النزعة “الذكورية”.

والغريب أن الحركة “النسوية” التي نشأت في الغرب، وارتبطت ذهنياً عند البعض ببعض النماذج السلبية القليلة والمضخمة إعلامياً من الفتيات الهاربات، هذه الحركة نشأت للمطالبة بحقوق المرأة في المساواة في الأجور والحماية من التحرش الجنسي في سوق العمل، وكنا ننظر إلى هذه الحركات بالسخرية لأننا ننعم بدين أعطى المرأة حقوقها كاملة في التصرف في أموالها ولا يوجد في أنظمة العمل لدينا أي نوع من التمييز تجاه المرأة، لكننا وبسبب من الواقع المرير للممارسة الاجتماعية ونتيجة لفهمنا الخاص لمسألة القوامة والولاية كنا نقمع المرأة.

والآن فإن الدولة، وكما قالت مغردة واعية في تويتر، قررت التوقف عن تحمل تبعات أسلوب الرجال في تربية بناتهم والتعامل مع زوجاتهم، وبقي أن يغير “الذكوريون” من طريقة تفكيرهم تجاه النساء حتى لا يضطروهن لمزيد من النزعة “النسوية”.

وصدقوني المسألة لا تحل بوضع مثل هذه الشروط التي اقترحها صاحبنا المحامي، وإنما بمزيد من الرقي في التعامل وحسن في التربية، وهذه مسائل سلوكية إسلامية أصيلة، ستجدونها واضحة في القرآن والسنة لا تحتاج إلى فتاوى المفتين، فبها فقط تَحِل المودة والرحمة في بيوتنا ونسهم جميعاً نساءً ورجالاً في بناء وطننا.

سلطان البازعي

نقلاً عن جريدة (الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *