تحول مسار الحرب الباردة بين الرياض وطهران

الصراع السعودي – الإيراني أخذ صيغة واحدة معظم العقود الأربعة؛ هجوم طهران ودفاع الرياض. لم تنتقل المملكة إلى وضع الهجوم مرة واحدة قبل الأعوام الثلاثة الماضية، وقد حافظت على سياق التهدئة والامتصاص حتى في أشد الأزمات.

الحرب الباردة بين الرياض وطهران شهدت مكاسب وخيبات سعودية، بعضها في العلاقة المباشرة، وبعضها في إدارة الصراع عربياً، وأبرز خطأين في الأخيرة؛ تجربة التعاون في بيروت، ومقاطعة بغداد زمن الاحتلال. في الأولى ثبت أن النتائج وقتية، وفي الثانية عاقبت نفسها بإخلاء الساحة لإيران. ومن الجيد أن وعياً تشكل في المملكة بالأخطاء السابقة، وعدم التوفيق في الخيارات السياسية المنتقاة.

في عهد الملك سلمان، رسمت سياسة جديدة لإدارة الصراع مع إيران، وتولى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان صياغتها، وبدأت بحصار طهران من أقاصي العالم الإسلامي إلى أن بلغت حدود جمهورية الملالي. كانت أولى الخطوات تقليص نفوذ إيران في أفريقيا، ونجحت المملكة في إبعادها من دول عدة، وأهمها القرن الأفريقي، وعوضت الفراغ بحضور منتظم. التفوق في حصار النفوذ الإيراني بعث برسالة جادة إلى طهران، فأعادت النظر تجاه سياستها في أفريقيا. وثاني الخطوات عربياً، وإن بدت بطيئة في دول وسريعة في أخرى؛ فقد طردت من السودان، وحوصرت في اليمن سريعاً، أما عن العراق ولبنان، فالعمل في أوله، لكونهما ضمن معارك النفس الطويل، ولا ترجى منها النتائج الفورية، وتستلزم دعماً دولياً، وقد جهدت السعودية لتحقيقه وحظيت به، ويمكن النظر إلى حال إيران في البلدين اليوم؛ أجواء مسمومة، وثقة معدومة.

لقد عاشت طهران عقوداً على منهج ثابت، وفاجأها أن الرياض سلكت مساراً جديداً أخذ طابع المواجهة، وهذا التغير لم يكن في حسبانها، لنشهد شكلاً جديداً من الجمهورية الإسلامية، إذ أنها قدمت خلال أربعة عقود رؤساء متشددين وآخرين معتدلين، متبعة سياسة تبادل الأدوار وفق الظروف، ومع المواجهة السعودية ارتبكت حساباتها، وتنافس المعتدلون والعسكر على رفع سقف الخطاب العدائي.

لقد فعلت السعودية فعلتها، ونجحت في حصار إيران أكثر وأكثر، وجعلتها في مواجهة مع العالم. وذلك يذكرنا بحديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل عامين: “لن ننتظر أن تكون الحرب على أرضنا، بل سننقلها إلى داخل إيران”. وبات واضحاً منذ ذلك الإعلان كيف ارتفع عدد الغاضبين ضد طهران، ومضى المجتمع الدولي يضيق عليها يوماً بعد آخر؛ ضغط اقتصادي، وحشد سياسي، وحلف أمني وعسكري قد يرى النور قريباً. كل ذلك بدأ بتعاون سعودي واضح، وتهور إيراني ساعد المملكة على تحقيق أهداف، منها جعل النظام منشغلاً بنفسه أكثر من أي وقت سابق.

إن إعادة وضع نظام طهران في مواجهة العالم نجاح سياسي وديبلوماسي يسجل للرياض.

فارس بن حزام

نقلاً عن جريدة (الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *