الصحف وهيئتها.. إصلاح بـ”معروف” أو إغلاق بـ”إحسان” **

الصحافيون هم الضلع الثالث في الأزمة التي تضرب الصحافة السعودية المطبوعة هذه الأيام. ماذا فعلوا.. هل استسلموا؟ قاوموا؟ أم بحثوا عن فرص جديدة خارج المنظومة؟

يمكن الإجابة بنعم على كل الأسئلة السابقة. بعض الصحافيين استسلموا وخرجوا من المهنة وحالهم كما يقول المثل الشعبي” “الفكّة من جحا غنيمة”، وآخرين قاوموا، وللدقة يجب استخدام تعبير “صمدوا”، لأنهم استمروا في العمل داخل المؤسسات الصحافية، والبقية خرجوا إلى فرص جديدة متنوعة منها العمل كخبراء اتصال وعلاقات عامة في مؤسسات القطاعين العام والخاص، ومنها البدء بمشاريع في الصحافة الالكترونية.

وعلى الهامش يجب القول أن معظم من فشلوا في مغامرات الصحافة الإلكترونية كانوا صحافيين حقيقيين، وأن معظم من نجحوا كانوا رجال أعمال بالفطرة. ولعلي أقرر هنا قناعتي الراسخة بأن الصحافي ورجل الأعمال لا يجتمعان في فصيلة واحدة من التركيب الجيني “إلا من رحم الله”.

نظام المؤسسات الصحافية الصادر عام 2001 قرر ولأول مرة إنشاء هيئة للصحافيين السعوديين، وجاء في مادته الـ27 ما نصه: “تنشأ بموجب هذا النظام ووفقاً لأحكامه هيئة للصحافيين السعوديين ذات شخصية اعتبارية مستقلة. تعنى بشؤون الصحافيين. وتحدد اللائحة التنفيذية مهماتها واختصاصاتها”.

وبالفعل فقد حددت اللائحة التنفيذية التي أصدرها وزير الإعلام بصفته الوزير المختص هذا المهمات والاختصاصات والتي جاء من ضمنها ما يلي: “العمل على الارتقاء بمستوى المهنة وتنمية قدرات العاملين بهذا الحقل” و”العمل على صيانة كافة حقوق الصحافيين والدفاع عنها لدى مختلف الجهات”، ومهمات أخرى منها ما يتعلق بالتدريب وتطوير القدرات.

وأجزم أن من سيقرأ هذين البندين من الزملاء الصحافيين -إن كانوا لم يطلعوا عليها من قبل- سيضحك كثيراً وبمرارة، لأن كل ممارسات الهيئة منذ إنشائها لا علاقة لها بهاتين المهمتين لا من قريب ولا من بعيد، وخاصة في مسألة الدفاع عن حقوق الصحافيين لدى مختلف الجهات، ذلك أن حقوق الصحافيين كانت تنتهك في الغالب داخل المؤسسات الصحافية نفسها. لماذا؟ ببساطة لأن من أداروا الهيئة منذ إنشائها كانوا من رؤساء التحرير الذين أصابت بعضهم لوثة الأرباح الإعلانية وعمولاتها، فأصبحوا “ملكيين أكثر من الملك” كما يقول المثل الأوروبي.

هيئة الصحافيين السعوديين لم تكن منذ إنشائها ممثلة للجسم الصحافي السعودي، لأنها ببساطة أصبحت نادياً لرؤساء التحرير يجتمعون فيه متى ما سنحت لهم الفرصة في جداولهم المزدحمة بملاحقة الإعلانات، وقد نجحوا في البداية بإنشاء مبنى أنيق في موقع مهم وبتبرع سخي من بعض رجال الدولة، لكنه بقي من دون معنى لأنه استمر خالياً، وحتى حينما حاول المسؤولون عن الهيئة تأجير بعض من مساحاته لمراسلي الصحافة الأجنبية -وأزعم أنني كنت صاحب الاقتراح- لم يبق من استأجر طويلاً لأن المبنى كان خالياً من الحياة. كما انشغل مجلس إدارة الهيئة كثيراً بمسألة التمثيل الخارجي مع المنظمات الإقليمية والدولية حتى اكتشف أنه يجب تغيير مسمى الهيئة إلى “اتحاد” للتماهي مع الاتحادات الشقيقة والصديقة ولو بالمسمى على الأقل.

ومرة أخرى تقع المسؤولية على وزارة الإعلام بصفتها الراعي والمسؤول التنظيمي Regulator فلم تفرض أيا من قواعد الحوكمة على عمل الهيئة، ولم تراقب أدائها -كما يفرض النظام- ولم تكتشف أن الانتخابات كانت صورية بامتياز بما أن المؤسسات الصحافية تدفع مباشرة قيمة اشتراك الصحافيين الأعضاء، وبالتالي تفرض عليهم التصويت لقوائم محددة مسبقاً.

ماذا عمل الصحافيون؟ وأعني هنا الصحافيين الحقيقيين.

يقول المثل الدارج “السيل يعرف دربه”، والصحافيون الحقيقيون عرفوا دربهم. فمنهم، كما قلنا من قبل، من قام بمغامرة لإنشاء مواقع لصحف إلكترونية، ومنهم من خرج إلى وضع أكثر ضماناً بالعمل كخبراء اتصاليين لدى جهات أخرى في القطاعين العام والخاص، ومنهم بالطبع من هو صامد يدافع عن قيمه المهنية من داخل المؤسسة، على رغم الأزمة المستفحلة وهو ينتظر قرار الاستغناء عنه، ولهؤلاء أوجه تحية تقدير وإعزاز.

لكن الملفت أن الصحافيين أقاموا مؤسسة مجتمع مدني موازية لهيئة الصحافيين، نجحت أولاً في جمع كل المهنيين، ونجحت ثانياً في إحداث حراك فعلي في الساحة الإعلامية بنشاط متميز تغار منه الهيئة العتيدة، ونجحت ثالثاً في الحصول على اعتراف حكومي بتسجيلها كمؤسسة مجتمع مدني. هذه المؤسسة هي جمعية “إعلاميون” التي حققت نجاحاً رابعاً حينما تأسست من خلالها جمعية أخرى هي الجمعية التعاونية لإسكان الإعلاميين التي وقعت أخيراً اتفاقا مع وزارة الإسكان لتسهيل حصول أعضائها على السكن اللائق بهم.

هذا ختام الحديث عن أزمة الصحافة السعودية المطبوعة والمؤسسات الإعلامية الأهلية، وهنا لا بد وأن أوجه خطاباً مباشراً لعراب رؤية المملكة 2030 ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

يا ولي العهد: هذه مؤسسات تجاوزها الزمن وتجاوزها الناس وبالتأكيد تجاوزتها الرؤية الطموحة لبلادنا، فإما أن يتم إصلاحها – وهذا ممكن- وإما أن يتم إغلاقها.

سلطان البازعي

نقلاً عن جريدة (الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *