الرأي

كلمة وفاء لرجل يستحق الوفاء

أشهدكم بأنني حاولت الكتابة أكثر من مرة وكلما أسترسل قليلاً تتضارب الأفكار حول ماذا أريد أن أكتب بحق رجل قدير ونبيل وله تميز خاص وندرة، عنده أسلوب تعامل ودماثة خلق، يجبر كل من عرفه، أو تعامل معة، أن يضعه بين جفني العين، وفي حجرات القلب الأربعة، هذا الرجل هو رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ – خالد بن حمد المالك -، بعيداَ عن الكذب والمجاملة والافتراءات، واعترافا مني بثقافة وفكر وشهامة ونبل هذا الرجل وحقه  الكبير علي، وبديهي أن كلامي هذا لا يزيده شهرة، ولا يكسبه سمعة، ولا يرقيه سلم رفعة، ولا يمنحه تميز، رجل لا يعكس أبداَ الصورة النمطية للمسؤول، تلك المزروعة في عقولنا من حيث البيروقراطية والتعالي والباب المغلق ، كل من زاره خرج بانطباع أن هذا الرجل يتقن حسن التعامل مع الناس على اختلاف مسمياتهم ومستوياتهم سواسية، زرته أكثر من مرة، وفي كل مرة أجده راقي مبتسم ودود ولطيف، رجل وطني ومرموق، يتميز بأخلاقه العالية، وعنده ميراث من الإخلاص والتفاني في سبيل خدمة دينه ووطنه وقيادته ومجتمعه، عنده وعي، ولديه بصر ورؤية وبصيرة، بدأت علاقتي مع هذا الرجل عندما كان – حي الناصرية – مقراً للجريدة، كنت حينها يافعاَ لم أتجاوز العشرين من عمري بعد، لكنني كنت مغرماً بالكتابة والنشر والإعلام، كنت أمر من أمام مكتبه في الدور العلوي فقط كي أراه، لم يكن يعرفني، لكنه قدر عن بعد طموحي ومحاولتي الكتابة، وقدر في هذا الشعور وهذا الإبتغاء، واتاح لي الفرصة والصفحة، هذا الرجل الإنسان لديه ثقافة وخريطة طريق يحاول بها هزم الإنهزام، وضيق الأفق، معني بأمور كثيرة ومتشعبة حسب ما يمليه عمله الصحفي، يحمل هاجس العطاء، ويحاول بالناس الإرتقاء، معنياً هو بأمور المجتمع ومتطلباته وإيصال مطلبه وصوته، لقد آمن بالإنسان الموهبة، وفتح الباب والمجال لكل صاحب موهبة، قلمه صار لوطنه مدن وخرائط ومحطات وظل ونشيد، ويمارس من أجله طقوساً راقية لا يفقهها أو يفهما أحد سوى هو، تقبع في روحه يقظة عارمة من أجل كينونة الحياة ومسيرة التالق والجمال، هذا الرجل أدى أدواراً غاية في العطاء على مدى عقود طويلة، تجاوز النفس والأنا ومضى إلى أبعد من ذاته، هم الأشخاص المخلصون الذين يتجاوزون ذواتهم في تفكيرهم العقلاني، والمطورون للذات وللجمع ككل، أن تحدث تحدث بعقل، وأن كتب كتب بعقل، يكتب في السياقات كلها، ويساهم في دينامية الأمور، وبفعل تراكم خبرته، وإتساع مفهومة، تحتل القيم الروحية والهم الجمعي والوطني وقته وجهده، عمل جاهداَ لكي يجعل من الرسالة الصحفية تراسلاً حميماً بين المجتمع والمسؤول، وبناء النسيج الثقافي والتراثي والفكري للمجتمع، وأفرد في ذلك المساحات، وزرع الأرض البور بالثمار النقية، وحرثها بمحراث العقل بتمهل وتؤده بعيداَ عن التسرع والعجل، عدل في المادة والشكل واللون وأستقطب أصحاب المعرفة والفكر والعقول ونادى عليهم، ذلكم الذين يجيدون صياغات القول، ولازمات المعرفة والتأمل، والذين يملكون الحبر والمحبرة، والصوت والصدى في السرد والقول والخطاب، والرمز والإشارة، والتدوين والإعلان، هكذا هو – خالد بن حمد المالك – شيخ الصحافة والصحفيين، عمل للمشهد البهي طويلاَ حتى جاء كما نراه، مكتنزاَ بالصورة والكلمة، مثل شلال لا مثيل لمدويات جماله، لقد أثر في الوعي وفي المشهد، وساهم مساهمة فعالة في تحديد الفكر والهوية، أن المادة الاعلامية التي عمل فيها ومن أجلها قد صاغها بحرفية من الناحية الفنية والعطائية، وأسهم العامل اللغوي الذي يمتلكه بتمكن على منح الإعلام التأثير الفعال وسهولة الفهم والإستيعاب والمصداقية، فالصحافة عنده على سبيل المثال لها لغتها الخاصة التي لا تختلف عن لغة الادب او لغة العلم والمعرفة، لقد عمل بذكاء على الخصائص والسمات والمحتوى والعلاقة والتاثير والتأثر والإتصال واللغة والبحث والتدوين والعنوان، حتى أنتشرت هذه الصحيفة وتفوقت على مثيلاتها، بعد ان أحدث جملة تغييرات في أساليب التحرير والصياغة واللغة الكتابية، وأسس منهجاً جديداً في الصحافة والإعلام ربط بين التأهيل النظري والتطبيق العملي لقياس واقعية ظواهر وممارسات أعلامية ذات وزن فاعل في المشهد الإعلامي والذائقي واللغوي، أن هذا الرجل سيبقى علامة فارقة في عالم الصحافة، ولا يمكن لأحد فصله عن مرحلة الوعي والتشكل الإجتماعي، كونه رائداً  من رواد الإعلام، وفاعلاً في التحولات الفكرية والثقافية، لقد لبس ثوب الصحافة منذ عقود، وعبر دروبها، ولاقى فيها المشقة والضنى والتعب، لكنه وضع البصمة، حتى صار ايقونة، لقد رهن نفسه، ووهب حياته في خدمة وطنه وأمته، مسخراً كل جهده في تقوية المجتمع وتثقيفه، وسعى بكل ما أوتي من خبرة وحكمة في رص الصف، وشد الوحده، لقد صنع للصحافة منهجاً متميزاً، ونموذجاً فريداً، يستحق أن يدرس بعناية لكي يستفيد منه الأجيال القادمة كنموذخ للإخلاص والعطاء والإبداع والعمل الدؤوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *