الرأي

تسويق الجامعات.. ماذا تحتاج لبناء هويتها الخاصة؟

د. طلال المغربي

أكاديمي ومستشار في التسويق الاستراتيجي

في أثناء لقاء في مدينة لندن عام 2008م مع وزير التعليم العالي السابق وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى فرنسا حاليا د. خالد العنقري، قدمت للوزير حينها عدة مقترحات مكتوبة، منها وضع استراتيجية لتسويق السعودية من خلال برنامج -خاصة مع وصول المبتعثين لدول قد لا تكون محط أنظار السياح السعوديين- وهو تأسيس جمعيات علمية في دول الابتعاث تكون رافد يفعل الحراك العلمي في الجمعيات العلمية داخل السعودية، واقتراح تسويق التعليم Education Branding خاصة بوجود أعلى الميزانيات والدعم اللامحدود للتعليم.

في حديثي الجانبي مع الوزير أشرت لأهمية تغيير الصورة الذهنية عن التعليم العام والعالي لدي المستفيدين stockholders بمن فيهم عامة الناس الذين ربما لم يلتحقوا بأي مدرسة محلية أو خارجية لكن عند الحديث معهم تجد بعضهم قد يشير سلبيا عن تعليمنا المحلي وإيجابيا عن تعليم الدول الغربية كما يقال. وحينها كانت تدرس معي في مرحلة الدكتوراة طالبة من ألمانيا وتبحث في مجال Education Branding.

لدينا أكثر من 29 جامعة حكومية والكثير من الجامعات والكليات الخاصة تنتشر في أرجاء المملكة الشاسعة، وتسعى جميعها إلى الحصول على التصنيف والاعتماد الأكاديمي والجودة الدولية وتسارع لتحقيق رؤية السعودية 2030. ورغم ذلك لا يوجد حتى الآن تصنيف أو تقيم محلي منشور للجامعات السعودية يوضح تقيم الجامعات وتصنيفها محليا كجامعات أو كليات منفصلة، مثلا: أفضل كلية طب أو هندسة أو إدارة، أو كتخصص مثل التسويق والهندسة الكهربائية وهكذا.

مع الكم الهائل من المعلومات المتاحة للطلاب اليوم، والتي تجعل من طلاب الجيل الحالي أكثر قوة معرفية ويبحثوا عن التميز عن أقرانهم ويبحثوا عن التمايز بين الجامعات التي تجعلهم مختلفين عن الآخرين خلال الدراسة وسوق العمل، مما يجعل المنافسة بين الجامعات كبيرة إقليميا ودوليا، والمفترض وهو الأهم محليا من أجل أن نعلو بالوطن وبناء ثروته الأهم وهي الإنسان ضمن رؤية السعودية 2030.

ومع تواجد أعداد متزايدة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والإداريين في الجامعة، يبحث الجميع عن الميزه التنافسية التي تساعدهم على الوصول إلى أهدافهم المهنية والوظيفية، وللقيام بذلك يحتاج جميع المستفيدين stockholders إلى معرفة أن إختيارهم الجامعي مناسب لهم.

يعد معاملة الجامعة والتعليم كمنتج تسويقي والتأكد من وجود علامة تجارية Brand وهوية وصورة ذهنية أمر مهم جدا ليس فقط لجذب الطلاب، بل هو عنصر جذب اقتصادي للمدينة والمدن والقرى الأصغر القريبة من الجامعة، بل البعض يعده أحد عناصر تسويق المدن City Marketing. لذلك، أصبحت العلامة التجارية Brand الآن جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية التسويقية لأي جامعة، خاصة إذا كانت هذه المؤسسة ليست معروفة أو لديها عناصر تمايز واضحة بشكل خاص. التفكير بطريقة إبداعية تسويقية غير تقليدية في التعليم والجامعات يساعدها في المضي نحو بناء هوية وعلامة تجارية تعمل على خلق الانتماء للطلاب الحاليين والخريجين والعاملين، ووسيلة جذب الطلاب وتساعدها في تعزيز أي رسائل تسويقية و إعلانية وتروج للتميز الذي يفصل بين جامعة أو مؤسسة تعليمية وبين مثيلاتها من الجامعات الأخرى في نفس المدينة أو الدولة. النظر في أنجح الشركات؛ لديهم كل شخصية فريدة من نوعها ومعروفة.

حاليا تدعي الجامعات خاصة السعودية بأنها المكان المميز للطالب مما يجعل الجامعات نماذج وكيانات متشابهة في خدماتها والصورة الذهنية لعلاماتها التجارية، مع عدم وجود خطة تسويقية واضحة تبرز تميز وتميز جامعة عن أخرى. يحتاج التسويق الجامعي إلى تحديد ما هو بالضبط الذي يجعل هذا المكان وجهة مثالية للطلاب والطالبات، ومن أجل تحقيق هذا الهدف والأمل تحتاج الجامعات السعودية إلى هوية علامة تجارية قوية.

لضمان أن تبرز جامعتك تسويقيا، تحتاج الجامعات إلى التركيز على ما يجعلها مختلفة ومتمايزة عن غيرها مع بناء هويتها العلامة التجارية Brand حول خصائص هويتها. هناك عدد من النقاط على الجامعات تحديدها والتركيز عليها.

على الجامعات تحديد نقاط القوة وما الذي يفرقها عن غيرها في نفس المدينة أو في المدن الاخرى؟ هل نقاط التميز في مجال دراسي أو مراكز ابحاث أو المكتبات أو في تميز كليات محددة فيها، أو الاعتمادات العالمية المعروفة أو الاتفاقيات الدولية التي تتيح تبادل الخبرات والزيارات وتبادل الطلاب لأصول دراسية مع جامعات دولية يساعد الجامعة في خلق قوة تجذب الأنظار لها في جذب الكفاءات للعمل فيها أو الدراسة.

التاريخ والعلاقة المرتبطة بالجامعة وموقعها يعد أحد أهم نقاط الجذب التي يمكن تميز الجامعة تسويقيا عن الآخرين، وهو أن تستمد قوتها من تاريخ عريق ولكن مستمر بالتميز العلمي بما يواكب متغيرات ومتطلبات العصر.

الموقع الجغرافي دوما هو عنصر جذب قوي، مثلا: أن تكون الجامعة قريبة من دول أخرى تساعد الطلاب على السفر السريع أو ارتباط موقعها بمراكز قوة اقتصادية. يضاف للموقع كعنصر جذب قدرة الجامعة على إيجاد بيئة عملية ودراسة تتنوع فيها الثقافات والجنسيات والطوائف، فالبيئة عنصر تسويقي قوي يوضح تنوع مدارس التعلم والإدراك المعرفي والعلمي داخل محيط الجامعة.

عنصر تسويقي آخر جاذب هو رابطة خريجي الجامعة ومراحل توظيفهم ومعرفة قصص نجاحهم محليا وإقليميا ودوليا وزيادة انتمائهم للجامعة لأنهم سوف يكونوا عامل تسويق وجذب لطلاب آخرين من خلال مشاهدة دور الخريجين وأثرهم في المجتمع من ناحية مهنية أو علمية. أيضا أمر مهم للجامعات وهو أن تظهر تمايزها بعدد الأبحاث والمشاريع الطلابية التي تحولت لشركات ناشئة أو متوسطة وأثرها الاجتماعي وقيمتها السوقية.

من خلال النظر في هذه النقاط، يمكن لفريق التسويق بالجامعة أن يعامل الجامعة كمنتج تجاري ليساعده على إيجاد هوية وعلامة تجارية Brand تكون فريدة من نوعها تعكس بدقة ما تقدمه وتتميز به الجامعة.

فهل نرى يوما هوية وخصائص تميز الجامعات عن بعضها بعض، وتجعل الطلاب والمجتمع المهني والقطاع الخاص يمايز بين الجامعات والكليات؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. طلال المغربي – أكاديمي ومستشار في التسويق الاستراتيجي

@TalalAlmaghrabi

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *