إعداد القادة في الجهاز الوظيفي الحكومي

ظل الجهاز الوظيفي الحكومي كالصندوق المغلق لا يعرف عنه إلا الوظائف العليا حينما تصدر الأوامر بالتعيينات فيها، ولذا فإن الكتاب في مقالاتهم لا يتطرقون إلا لموظفي القطاع الخاص نقدا أو مدحا بأدائهم ومرتباتهم ومؤهلاتهم، وفي الأسبوع الماضي فتح الصندوق المغلق بإعلان اللوائح الجديدة للخدمة المدنية، وتحدث الوزير سليمان الحمدان ومساعدوه عن هذه اللوائح بالتفصيل في لقاءات مع كتاب الرأي. ولعل أبرز ما تحمله المرحلة المقبلة أن الوظيفة العامة لن تكون بعيدة عن حالة سوق العمل سواء من حيث التأهيل والتدريب وتقييم الأداء، أو من حيث المرتبات والبدلات، ما يبشر باختيار عناصر أكثر كفاءة في الوظيفة الحكومية التي – وإن أعطينا كثيرا من الأهمية للقطاع الخاص- ما زالت هي التي تقود عجلة التنمية في جميع المجالات. ولعل ما سيدخل كثيرا من التحسن على كيفية اختيار وتأهيل موظفي الدولة خطوتان ركز عليهما وزير الخدمة المدنية كثيرا، أولاهما تطوير إدارات شؤون الموظفين الحالية، لتصبح إدارة للموارد البشرية بكل ما يعنيه المفهوم العلمي الحديث الذي يشمل كثيرا من أدوات التدريب والتطوير للجانب المهني وسلوكيات العمل المتعارف عليها، وبالتالي قياس الأداء وتقديم الحوافز اللازمة. والخطوة الثانية إيجاد أكاديمية لإعداد القادة في الجهاز الوظيفي الحكومي وهو ما كان مفقودا خلال السنوات الماضية، فالقائد فقط هو من يصدر القرار بتسميته قائدا، وحينما يتسلم الوظيفة لا يتلقى الإعداد اللازم بعد التأكد من تقبل شخصيته وتأهيله لهذا الإعداد. قد يقول البعض وأين معهد الإدارة العامة الذي كانت مهمته هذا الأمر؟ وقد سألت وزير الخدمة المدنية حول ذلك، فأجاب أن المعهد تخصص في تدريب المراتب العليا فقط والمطلوب إعداد قادة جدد من الدرجات الأدنى، ولذا فإن إنشاء أكاديمية جديدة سيكون أفضل، خاصة أننا كما قال الوزير “سنتعاون في ذلك مع جامعات عالمية متخصصة وذات سمعة معروفة في هذا المجال”. وبناء على ما حملته اللوائح الجديدة للخدمة المدنية فإن الأمر بعد ثلاث سنوات – كما أكد الوزير ومساعدوه – سيكون مختلفا وستمنح كل جهة حكومية صلاحية مكافأة ومعاقبة موظفيها، وسيكون لوزارة الخدمة المدنية مهمة إشرافية فقط على عكس ما كان سائدا.

وأخيرا: تطوير أداء موظفي الدولة للارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطن من أهم مستهدفات “رؤية 2030″، ولذا فإن الوظيفة العامة لن تكون للذين ينشدون الدوام القصير والإجازات الطويلة وستصبح محددة بأهداف ومنجزات خلال فترة زمنية منصوص عليها في الأنظمة واللوائح، ومن لم يستطع تحقيق هذه الأهداف والمنجزات سيجد نفسه خارج منظومة العمل الحكومي، وسيصبح المواطن وكتاب الرأي الذين يمثلون المواطن خير رقيب ومتابعا لأداء الموظف العام الذي تم اختياره بعناية لمهمة سامية، وهي خدمة الوطن والمواطن في أي موقع كان، وليعلم الموظف المتقاعس أنه أصبح تحت المجهر ولن تتوافر له الغفوة التي كان يتمتع بها سابقا في ظل أنظمة جديدة، تحدد الأهداف وتقرر الأداء بدقة ومتابعة من جهات عديدة، حملها ولي الأمر أمانة تقديم الخدمة على أعلى المستويات.

علي الشدي

نقلاً عن (الاقتصادية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *