الإضرار بالرؤية السعودية

مثلما تمادى المتشددون دينياً في التضييق على المجتمع في السعودية لعقود، ألمح اليوم تمادياً من «المتشددين المقابلين» وتمسكاً بأشياء ورغبات لا يمكن وصفها سوى بالتطرف المقابل.

يعتقد بعضهم أنه يخدم «الرؤية السعودية»، وفي تقديري أنهم يسيئون لها، لأن أهدافها وممارساتها الحالية أعمق بكثير من قشور يتناولونها، ولأن هذه الرؤية أتت لتوسع الخيارات، وتزيد الحريات المنضبطة، وتحرر الناس من سطوة التطرف، أيا كان انتماء هذا التطرف. أستشهد بموضوعين؛ الأول: انبراء البعض لمهاجمة بلدية قرية نجدية وادعة لأنها وضعت لوحة «ممشى الرجال» كما ظهر في الصور التي نقلها «هذا» البعض، وتم وصفه في الكتابات، وادعاء البعض أن هذا «التصرف» لا يتسق مع الرؤية السعودية! وفي ظني أن في هذا غباء اتصاليا أولاً، واستغباء للمتلقي ثانياً، وظلما لجهة حكومية ثالثاً. لم يتكبد أو تتكبد من هاجمت البلدية عناء سؤال البلدية: هل لديكم في المقابل «ممشى للعائلات»؟ أو يبحث ليرى منذ متى وضعت هذه اللوحة، أو يسأل أهل القرية عن رأيهم الذي ربما تكون البلدية نفذته من باب التشاور. الرؤية السعودية أهم وأكبر وأعمق من محاولات شخصية لـ «تصفية الحسابات» مع متشددين سابقين سيطروا على المشهد، ومحاولة إيهام الناس أن هذه الرؤية ستتدخل في تفاصيل وخيارات الناس الاجتماعية الخاصة هو إضرار بها.

في ليلة رأس السنة الماضية وضع منظمو حفل تلك الليلة في منطقة برج خليفة و«دبي مول» مسارين يؤديان إلى منطقتين للاحتفال، الأولى للعائلات والثانية للعزاب، ولم يقل أحد ان الشركة المنظمة أو الجهة المشرفة تفعل ما يتعارض مع طريقة التفكير الاجتماعي في دبي، بل التزم الجميع واحترموا خيارات بعضهم البعض.

الأمر الثاني الذي لا بأس من مناقشته بهدوء وعمق، هو إغلاق المحال التجارية وقت الصلاة، إذ واصل البعض نشر آراء متطرفة تكاد «تكفر» من يغلق محله لأداء الصلاة مع الجماعة، على رغم أن الدوائر الحكومية تتوقف لنصف ساعة لأداء صلاة الظهر، والمدارس تقيم الصلاة جماعة ويتوقف التعليم لعشرين دقيقة، فهل يعقل أن يكون شراء أي بضاعة أهم من الخدمة العامة، ومن التعليم؟

لن أناقش ساعات عمل مجحفة في المحال، أو خلو بعضها في الشوارع التجارية من دورات المياه، وغيرها من التفاصيل، لكن أليس إغلاق المحل خياراً شخصياً؟ أليست عروض التجارة في هذه المحال ملكا لأصحابها ومن حقهم الاغلاق؟

المهم في هذين المثالين أن أعداء السعودية وأعداء الرؤية الجديدة الجميلة يستغلون هذا الطرح السطحي لتخويف العامة مما يسمونه «الأهداف الخفية» لهذه الرؤية، وهذه الرؤية ليس هناك أوضح في التاريخ العربي من أهدافها، وليس هناك أدق في التاريخ الحديث من صياغتها وتحديد آليات عملها، إنها بحد ذاتها نوع من الاستقلال والحرية والاعتداد بالإمكانات الفردية والعامة، فلا تساعدوا أعداءها عليها بالتشبث بتفاصيل لا تقدم ولا تؤخر. من يرى لوحة صغيرة في قرية صغيرة قضية كبيرة ويتجاهل لوحات البناء والمشاركة والتجديد التي تشارك فيها المرأة بحضور مهم ونوعي، ويتجاهل ملامح اجتماعية طبيعية تتشكل بقوة، هو متطرف آخر على الجهة المقابلة.

محمد اليامي

نقلاً عن (الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *