شق طريقك بالخداع

قرأت قبل عدة أيام في جريدة بريطانية (الغارديان) عن مشروع مكتبة تقدم لقرائها ملخصات الكتب، سيؤمن هذا المشروع ملخصات لكل مستعجل يريد أن يعرف شيئاً عن كل شيء، لن تستغرقك قراءة الكتاب أكثر من خمس عشرة دقيقة، إذا كنت معتاداً أن تقرأ ساعتين في اليوم مثلاً فهذا يعني أنك ستقرأ ثمانية كتب في اليوم الواحد، ستة وخمسين كتاباً في الأسبوع، ومئتين واثنين وعشرين في الشهر لتصل في أقل من عشر سنوات إلى قراءة كل الكتب التي صدرت باللغة العربية.

سبق هذا المشروع مشروع مماثل ولكنه صاحبه كان أكثر وضوحاً في تقديمه لبضاعته، أطلق عليه (شق طريقك بالخداع).. يسرد للقارئ الأفكار الأساسية وأهم المصطلحات الواردة في الكتاب، وفر في مكتبته أهم الكتب الفلسفية والفكرية والروايات الشهيرة والتراث العالمي وعلوم البحار والجغرافيا وكل ما يطرأ على بالك من موضوع، لا تحتاج أن تقرأ كتب الخداع فور شرائها، عندما تدعى إلى حفلة أو تجمع ثقافي اقرأ ملخصات الكتب التي ترى أنها سوف تثير إعجابهم، إذا كان مستمعوك من محبي التراث فتجنب الحديث في التراث وتحدث معهم عن الفلسفة أو الروايات، وإذا كانوا من محبي الفلسفة أو الروايات تجنب هذين الموضوعين وتحدث عن التاريخ.

في يوم من أيام الثمانينات الميلادية من القرن الماضي انتصب على منصة النادي الأدبي بالرياض ناقد شهير كنا نطلق عليه لقب (ما يطلبه المستمعون). على استعداد أن يفتي في أي موضوع شريطة أن يكون الموضوع حديث الساعة. في تلك السنة كان حديث المجتمع الثقافي في الرياض يدور حول رواية مئة عام من الهجرة للكاتب الكولومبي غارسيا ماركيز. فوجئنا تلك الليلة أن أشار ناقدنا إلى هذه الرواية، كل ما قاله عنها مديح وعموميات تستطيع أن تقوله عن رواية أو سيارة. لم يستشهد بشيء من داخل الرواية، راودتنا الشكوك فقررنا اختباره.

عندما حان وقت طرح الأسئلة كتبنا له سؤالاً عن شخصية لم ترد في النص إطلاقاً. (هل ترى يا دكتور أن سر المتعة في مئة عام من العزلة يعود إلى شخصية فالكون الحيوية التي سيطرت على الفصول الثلاثة الأخيرة)، أول كلمة قالها بعد أن قرأ السؤال: (بالطبع كانت فعلاً شخصية هائلة ومحورية وقد أحسن الكاتب في وصفها). فعلمنا جميعاً أن الرجل لم يقرأ الرواية ولم يطلع حتى على ما كتب عنها في الصحف.

مصنف مكتبة (شق طريقك بالخداع) لم يكن يشجع زبونه أن يكون (قوي وجه). لا يريد لك أن تتكلم عن شيء معلوماتك عنه صفر، يريدك أن تكون مثقفاً ولو بأدنى جهد. شيء مريع أن تكتشف أن الغرب يتفوق علينا حتى في الخداع.

عبدالله بن بخيت

نقلاً عن (الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *