معاً وأبداً في «خندق واحد»

أكثر من دلالة، حملتها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى السعودية أمس الأول، وكلها تندرج تحت «وحدة الهدف والمصير»، التي أسست تحالفاً على سوية عالية من العمق والتنسيق، على المستوى الثنائي، وفِي إطار الإقليم والمجتمع الدولي.

أولى الدلالات، أن العلاقة بين البلدين ذات ركائز راسخة، ولا تزيدها الضغوط والتحديات في المنطقة إلا مزيداً من المتانة، فالبلدان، كما قال سموه، بعد لقائه خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز في الدرعية «في خندق واحد»، وهذا تعبير في منتهى الدقة والواقعية، وليس مجازاً لغوياً أو سياسياً، فالأبطال الإماراتيون والسعوديون قلباً على قلب، وكتفاً إلى كتف في قوات التحالف، لدحر قوى الشر والعدوان والإرهاب في اليمن.

«الخندق الواحد» هو حرفياً الذي يحفره الجنود، للتحصن على الجبهة اليمنية، وأي جبهة أخرى تهدد أمن البلدين واستقرارهما، وهو كذلك الخندق الذي تحفره القيادتان على هيئة مصير مشترك، وتؤسسان من خلاله مثالاً، لما يجب أن تكون عليه علاقات الأخوة والجيرة ووشائجها الثقافية والاجتماعية، لا سيما أن الخليج العربي يشهد منذ منتصف العام الماضي تخريباً قطرياً ممنهجاً لكل القيم والمبادئ العربية، وتواصل الدوحة وحليفتها طهران مخططهما لبث الفوضى، ورعاية الإرهاب في أكثر من بلد عربي.

«الخندق الواحد» في أي معركة، وموقف، وتحد، يجمع البلدين والشعبين والقيادتين، ونحن إزاء تحالف مصيري في جغرافية متصلة، وأكبر اقتصادين عربيين، وأكثر أسواق المنطقة اتساعاً وفاعلية ونشاطاً، وبينهما أكثر من مظلة تنسيقية في السياسة والاقتصاد والثقافة، وكلمتهما دائماً واحدة في المحافل الدولية، وموقفهما لا يتغير حيال وجوب إرساء السلام والاعتدال نهجاً للعلاقات بين الدول، عوضاً عن التوتر والتآمر والخراب.

زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى المملكة، جاءت في أعقاب حملة انتهازية مريبة، قادتها سياسياً وإعلامياً دول مارقة في المنطقة، تعتاش على الدسائس، وتسويغ التطرّف وتبريره، وتمول عصاباته، في محاولة للدفاع عن أوضاع داخلية متردية وغضب شعبي، كما هو الحال في قطر وإيران، بعدما سخّر حكامهما مقدرات البلدين لاحتضان الإرهاب، وللتدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية.

السعودية تجاوزت تكالب الشر، وانتهازيته، وخرجت أقوى، والإمارات كانت في الخندق نفسه معها، فلا يمكن أن ينطلي الخداع على أحد، ولا يجب أن يكون «الصيد في الماء العكر» مسموحاً، لأي دولة أو جهة أو عصابة، فأمن السعودية ومكانتها المحورية في الإقليم شأنان لا يقبلان المساومة والتنازل، لأن المملكة المتماسكة بالتفاف شعبها حول قيادته، ضرورة قصوى لأمن الخليج العربي، والعالم العربي بأكمله.

وكان سموه واضحاً في التعبير عن هذا البعد، وهو يقول إن «علاقات البلدين تعد نموذجاً، لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول، ومثالاً على الوعي المشترك بطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية المحيطة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف حكيمة ومتسقة»، والمنطقة الآن تحتاج إلى علاقات من هذا النوع، لتشكل صمام أمان ضد الاضطرابات السياسية، وتحتوي الأضرار والانتكاسات الصعبة، التي خلفتها موجة التطرف الأخيرة.

«في خندق واحد». في الحرب والسلم. في التنمية والازدهار. في دحر الظلام والإرهاب. في كل شأن، وقضية.. «دائماً وأبداً».

حمد الكعبي

رئيس تحرير صحيفة (الاتحاد) الإماراتية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *