العقوبات الأميركية وردات الفعل الإيرانية

قُضي الأمر كما يُقال، ونفذ السهم على حد تعبير «يوليوس قيصر»، وباتت إيران في مواجهة الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية، الأمر الذي يفرض أسئلة عديدة جذرية على المشهد في منطقة الخليج، لا سيما ما يتصل بردات الفعل الإيرانية، وهل سيقدر لإيران أن تحتفظ بضبط النفس الذي درجت عليه من قبل في عقوبات سابقة على الاتفاقية النووية 2015، أم أن الضغوط هذه المرة أكبر من أن تُحجم أو تُلجم؟ ببساطة شديدة يمكن الإشارة إلى أن المشهد الإيراني الحالي مختلف عن سابقه بدرجة كبيرة للغاية.

فقد كانت العقوبات السابقة على سبيل المثال مؤثرة على الصناعات النفطية الإيرانية.

أما الآن، فنحن إزاء مخطط أميركي استراتيجي يصل بإيران إلى حد الصفر في تصدير النفط، حتى وإن سمحت واشنطن لبعض الدول بأن تستورد ما تشاء من النفط الإيراني، وذلك لأسباب تتصل بأحوال وأسعار النفط حول العالم من جهة، وحتى لا تتضرر اقتصاديات بعض الدول الصديقة من جهة ثانية.

ليس سراً أن الموازنة الإيرانية تعتمد في 70% منها على عوائد النفط، ومن البدهي أن تلك العوائد هي التي ضمنت لإيران الأموال الوفيرة التي استخدمتها في التحضير لبرنامجها النووي من جهة، والصاروخي من جهة ثانية، وقد عرفت إيران جيداً كيف تتلاعب على المتناقضات الدولية، من خلال علاقاتها مع دول تناصب واشنطن العداء، لا سيما كوريا الشمالية، وقد استغلت الفقر والفاقة هناك لاستيراد العقول والمواد الخام، وبخاصة فيما يتصل بصواريخها الباليستية.

أمر آخر وفرته أموال النفط والغاز الطبيعي، وهو تمويل وكلائها في المنطقة، بدءاً من «الحوثيين» في اليمن، مروراً بـ«الحشد الشعبي» في العراق، و«حزب الله» في لبنان، وصولاً إلى «حماس» في غزة، وإن كان «حزب الله» هو أكثر المتأثرين مستقبلاً بالأزمة المالية لطهران، فقد كان اعتماده كلياً على تمويل طهران المباشر، الأمر الذي أعلنه حسن نصرالله أكثر من مرة.

ولعل ما صرح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذات مرة عن الأرقام التي أنفقتها إيران من العام 2012 وحتى 2018 والتي تبلغ نحو 16 مليار دولار، تشير إلى المأزق الكبير الذي ستعانيه طهران، وهو ما سيقرر ردات فعلها المستقبلية، والتي لن يطول انتظارها.

يقول حسن روحاني في اليوم الأول من العقوبات إننا في حالة حرب، وإننا سنخرق العقوبات، وهو حديث عنتري لا يتسق والتدابير الدولية، فواشنطن ترصد عبر أقمارها الصناعية حركة السفن والملاحة في الخليج العربي، كما أن لديها من الوسائل التقليدية ما يكفل لها ضمان عدم تهريب النفط بصور مختلفة.

فيما حديث الحرب فأكبر الظن أنه من قبيل التهويل لأن «ميزان الانتباه»- بلغة العسكريين- لا يصب في مصلحة إيران أبداً، فهي كما أشرنا أكثر من مرة نمر من ورق، وجيشها وقواتها المسلحة لم تعرف تحديثاً منذ سبعينيات القرن الماضي، وعليه فإن أي تهور عسكري أو مغامرة غير محسوبة العواقب يمكن أن ترجع إيران إلى الوراء ثلاثة قرون، وليس ثلاثة عقود.

ذات مرة في أواخر القرن الثامن عشر، أشار الإمبراطور الفرنسي وقتها نابليون بونابرت إلى أن الجيوش تمشي على بطونها، بمعنى أنه لابد من التمويل الجيد للغاية للحشود العسكرية لكي تمضي في طريق معاركها العسكرية.

الأمر نفسه ينسحب على إيران، التي ستعاني قواتها المسلحة و«حرسها الثوري» انقطاع تسعة أعشار التمويل السنوي، لا سيما إذا استمرت العقوبات من دون انفراجة، وحتى لو حدثت هذه الأخيرة من خلال اتفاقية جديدة، فإن تقييدات بعينها سوف تفرض على التسليح الإيراني للجيش.

على أن الكارثة والإشكالية الأكبر هي أن الشعوب بدورها تمشي على بطونها، بمعنى أن نقص العائدات النفطية، والأضرار التي ستلحق بقطاعي النفط والبنوك في الداخل الإيراني سوف يتسببان في ضرر بالغ للأحوال المعيشية الخاصة بالإيرانيين أنفسهم، وقد تعالت الصيحات مؤخراً تنذر وتحذر من الخطر الداهم من الشارع الإيراني، واحتمالات انفجاره مرة وإلى الأبد، ما يعني أن التعاملات الأمنية القمعية الإيرانية التقليدية لن تجدي معه نفعاً هذه المرة، وقد كان الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي من الأصوات التي دعت إلى الإصلاح السريع، وإلا فإن النظام كله معرض لخطر الضياع عبر ثورة لا تقل ضراوة عما واجهه الشاه سابقاً.

إيران في كل الأحوال في مأزق كبير، داخلياً وخارجياً، وليس أمامها من مفر سوى إعادة التفاوض على اتفاقية جديدة بالقطع لن تكون نتيجتها في مصلحتها بالمرة، وستختصم كثيراً من المزايا التي أدركتها من اتفاقيتها مع باراك أوباما، وفي المقدمة من الشروط الجديدة المؤكدة عدم التقيد بأي مهلة زمنية، بمعنى أن تضحي إيران هي اليابان أو ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما لن تقبله طهران غالباً.

ما الذي سيتبقى إذن؟ الخيارات الأمنية الفوضوية الإيرانية لإشعال المنطقة والعالم عبر حرسها الثوري، لكن ردات الفعل الأميركية وحتى الأوروبية ستكون الضربة القاصمة لنظام الملالي، وإرهابه الذي طال أربعة عقود وحان قطافه.

إميل أمين 

(الاتحاد الإماراتية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *