هل يستطيع الرئيس ترامب إسقاط النظام الإيراني؟

قال هنري كيسنجر: «لا يخيفني من يكره أميركا ولكنه لا يستطيع إيذائها، ولكن يخيفني من يكره أميركا ويستطيع أن يؤذيها»، بالتالي أن المدى الذي يستطيع النظام الإرهابي الإيراني أن يصل إليه في تهديده للمنطقة يعتمد على قدرته على تحقيق أهدافه، ومن هذا المنطلق يجب عدم إضاعة الوقت في محاولة إقناع نظام الملالي بوقف الإرهاب الطائفي، بل يجب العمل على تحطيم قدرته على ذلك.

على رغم تصريح البيت الأبيض عن عدم رغبته في إسقاط النظام الإيراني، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس ترامب ضد إيران، ويأتي موعد 4 تشرين (نوفمبر) جزءاً منها وليس آخرها، توحي برغبة حقيقية لصقور البيت الأبيض في دفع نظام الملالي إلى موقف يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما: إما الانصياع للإرادة الدولية لمعالجة جرائمه مثل منظومة الصواريخ ومدة الالتزام بالاتفاق نووي وسلوكه الإجرامي في المنطقة أو الانهيار، ويبدو اعتماد الرئيس ترامب سيكون على مجموعة عوامل أهمها: إضعاف الاقتصاد الإيراني بعقوبات غير مسبوقة ترافقها ضغوط سياسية تستهدف الأوضاع الداخلية لإيران، والاستفادة من الزيادة في الاحتجاجات الشعبية والانقسامات داخل النظام، إلا أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بسهولة إسقاطه لأنه يقوم على مقومات عقائدية صلبة وتركيبة هرمية معقدة من الإجراءات السياسية والأمنية وتتكون هذه الإجراءات مما يلي:

أولاً: الفصل بين الحكومة والنظام (مسرح العرائس)

يحكم إيران ثنائية غريبة صنعها الملالي عبر الخلط ما بين ديموقراطية لا تملك إلا صلاحيات تنفيذية شكلية من ناحية وبين مفهوم الولي الفقيه الممثل لإمام آخر الزمان الواجب طاعته، ولكي يضمن الملالي السيطرة على المنظومة الحاكمة تم تركيب نظام بآليات سيطرة كاملة، فالإمام يقوم بتعيين جميع أصحاب المناصب الثابتة التي تمثل نظام الولي الفقيه الإسلامي مثل مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء.

أما المناصب التي يشغلها أشخاص منتخبين مثل رئيس الجمهورية والبرلمان فلا يستطيع أي شخص التقدم للانتخابات أصلاً لشغل هذه المناصب إلا بالحصول على موافقة مسبقة من هذه المؤسسات الممثلة للإمام، إضافة إلى تعيين الإمام للمناصب الأكبر في الأجهزة القضائية والأمنية والعسكرية والإعلامية، واحتكار قرارات الحرب والسلام وقبول أو رفض المعاهدات الدولية، وكذلك الموافقة على تنصيب رئيس الجمهورية المنتخب وعزله، كما أن أي قرار تصدره الجهات المنتخبة مثل الرئيس أو البرلمان لا تُطبق إلا إذا وافق عليها ممثلو مجلس تشخيص مصلحة النظام المعينين من الإمام، بالتالي هذه المؤسسات هي من يملك السلطة الحقيقية ولا تتأثر هذه السلطات بالوضع الاقتصادي أو معاناة الجمهور بسبب تكوينها العقائدي، بالتالي ما يبدو ظاهرياً انقساما هو اختلاف منظم يسمح ببعض التعددية داخل المنظومة الثورية الحاكمة نفسها في السلطة وتُوزع الموارد والأدوار والسلطات بين الأجنحة، فبينما تتلقى الحكومة الانتقادات كافة لا تملك أسباب حل القضايا فالحكومة المنتخبة ولا تملك سلطة التنازل عن البرنامج النووي ولا الانسحاب من الدول المجاورة ولا إيقاف تصدير الثورة في الخارج وهي مجمل أسباب الصدام مع العالم وكافة العقوبات والمصاعب الاقتصادية، فكلما اندلعت احتجاجات شعبية ضد الحكومة خرج منظرو الإصلاحيين والمتشددين ليتباروا في إطلاق الاتهامات ذاتها لبعضهم، ثم يخرج الخامنئي وهو السبب الرئيس لأزمات البلاد ليلعب دور الحكم بين الجميع ويطلق بعض اللوم نحو الحكومة وبعض دعوات المقاومة والصمود أمام (مؤامرات الاستكبار العالمي)، لتعود الأمور كما كانت ويبدو الخامنئي رجلا محايدا وناصحا للجميع، كما نجح النظام في خداع بعض اللبراليين الغربيين بوجود تيار إصلاحي معتدل وأن تقديم تنازلات لإيران سيؤدي إلى تقدم الإصلاحيين، وبالتالي يتحرك النظام نحو سياسات أفضل فثبت أن تنازلات أوباما هي التي أدت إلى المزيد من التوسع الإرهابي الإيراني في المنطقة، فالنظام الإيراني لا يبتعد كثيراً عن فكرة «مسرح العرائس».

ثانياً: الربط بين النظام والمذهب

قام الخميني ومن بعده الخامنئي بإدخال تعديلات في أساسيات المذهب الشيعي بدفعه إلى قبول مبدأ ولاية الفقيه الذي كان يمثل رأي أقلية المذهب، ليصبح هو الأساس العقائدي الذي انطلقت منه الهرمية التراتبية للسلطات داخل دولة المذهب، وبالتالي أصبح أي خروج عن القيادة السياسية للدولة تعتبر ليست فقط خيانة للدولة بل خروجا شرعيا على المذهب ذاته.

ثالثا: الديماغوجية الشعوبية ونظرية المؤامرة

استخدم النظام أدبيات المذهب الشيعي على رأسها فكرة المظلومية ونظرية المؤامرة، وهم الأساس السياسي للمذهب وهو الادعاء بوجود مؤامرة تاريخية على آل البيت لسلبهم حقوقهم في الحاكمية، وتم مد المظلومية لتشمل من يُعرفون أنفسهم أنهم أتباع آل البيت، وأن أي رفض لأفعالهم حتى لو كانت جرائم كبرى كالتي يرتكبها النظام وميليشياته هي مؤامرة كونية ضدهم، بالتالي العقوبات الدولية أصبحت في إعلام النظام مؤامرة أميركية صهيونية ناصبية ضد (محبي آل البيت المظلومين) وتحولت لقضية نضال وطني ومذهبي في وقت واحد.

رابعاً: سيطرة الغوغاء على النظام الأمني

يملك النظام الإيراني ميزة شديدة الفاعلية، وهي الملايين من الدهماء الأكثر جهلاً وتخلفاً في المجتمع والأكثر إيماناً بقدسية الإمام وعدم الخروج عليه، منهم ما يسمى بـ«الباسيج» أو الجيش الشعبي وعددهم بالملايين يمثلون، إلى جانب الحرس الثوري، أداة أمنية صلبة في الوقت ذاته، وهي قادرة وراغبة في قمع أي تظاهرات، إضافة إلى أنهم وأسرهم يزيدون عن ملايين الأصوات الانتخابية في يده يصوتون لمرشح الإمام المفضل، ما يُثقِّل كفة أي مرشح يريده الإمام، ويستخدم الإمام (الصوت المقدس) وفق

احتياجه السياسي.

شخصياً أعتقد أن هذه الإجراءات لن تكون كافية لإجبار الملالي على مراجعة سياساتهم إلا في حال مشاركة أوروبا والصين في العقوبات؛ فأوروبا والصين رفضا المشاركة مما سيخلق ثغرات في العقوبات الأميركية، بالتالي على واشنطن توسيع العمل السياسي ضد إيران بشكل كبير يجب أن يشمل أمرين؛ أولهما: إفشال مشاريع إيران الإقليمية خاصة في سورية واليمن وذلك بالاستهداف العسكري للمليشيات التابعة لها لإخراجها من هذين البلدين ومن المعادلات السياسية فيهما، والثاني: الاعتراف رسمياً بالمعارضة الإيرانية بأطيافها المتعددة من معارضة سياسية قوية في الداخل والخارج ومساعدة جماعات الاستقلال البلوشية والكردية لاستنزاف الحرس الثوري الإرهابي عسكرياً.

هذه الأمور تؤكد على وجوب المضي قُدماً في خنق النظام الفاشي بكل الوسائل حتى يغير سياساته أو دفعه نحو الهاوية نفسها التي دفع هو المنطقة إليها، فلم يعد العالم يقبل العيش مع هذا النظام وأوهام حروبه المهدوية وميليشياته العابرة للحدود.

المثنى حمزة حجي

(الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *