منعطف أزمة خاشقجي!

التعليق وصف لما جرى، والتحليل توقع لما سيحدث، وما بينهما تفسير منحاز لمواقف وتوجهات وأيديولوجيات قد تعيد الحدث إلى الماضي أو تأخذه إلى المستقبل، وفي كل تلك المسارات يبقى المشهد متأرجحاً بين قبول الواقع، أو البحث عن رؤية أعمق لكل ما يحدث.

شهر على وفاة جمال خاشقجي –رحمه الله- كثيرون علّقوا عليه، وقليلون هم من قرأ سيناريو الحدث مستقبلاً، رغم اختلاف وجهات النظر، وتعدد مصادر المعلومات أو التسريبات، وبروز فاعلين على المسرح من كل مكان، وتلاقي المصالح التي عبّر عنها كل طرف، وأثار معها تساؤلات تبدو مهمة لكنها تحمل في أحشائها ما هو أهم من الإجابة عليها، ولكن مع كل ذلك تأكد أن من قرأ الحدث اقتصادياً أو إعلامياً أو إنسانياً أو قانونياً لتوقع ما سيحدث كان في الاتجاه الخاطئ؛ لسببين: الأول أن الضغوطات على مدى شهر لم تعط مؤشراً على النتائج أو تفصح عن نيات حقيقية للتنفيذ، والثاني أن المصالح وهي تقتات على الأزمات لا تنظر إلى تفاصيل ما حدث، وإنما إلى استثمار ما يحدث؛ أي إلى المستقبل.

والمقصود أن تحليل أزمة خاشقجي يجب أن تُقرأ سياسياً؛ لأنها باختصار تعبّر عن صراع بين قوى تريد أن تسجل لها موقفاً مع السعودية، ولن تجد فرصة أفضل من ذلك؛ فالمقصود ليس خاشقجي وإنما السعودية، وهو منطلق التحليل الذي يتجاوز تفسير ما يحدث إلى التنبؤ بما سيحدث.

قبل أن نصل إلى النهاية المتوقعة؛ علينا أن ندرك أن موجة الأزمة الصاعدة بدأت تتراجع ذروتها سياسياً، رغم أن إعلام الجزيرة وغيرها في أميركا في طريق تصعيدي عدواني ممنهج، حيث كانت البيانات السعودية المتتالية عن الحادثة، والاتصالات التي أجراها خادم الحرمين بعدد من القيادات السياسية، والموقف الذي أعلنه ولي العهد عن العلاقة مع تركيا، والتعبير الأميركي عن المصالح مع السعودية وحاجتها لها في مواجهة الخطر الإيراني وتطبيق العقوبات التي ستدخل حيز التنفيذ بداية الشهر الحالي، وتركيز الجانب التركي على مستقبل اقتصاده، وتراجع بعض الدول عن مواقفها المتشددة؛ كل ذلك جعل من أزمة خاشقجي وسيلة للتفكير في المصالح المشتركة مستقبلاً أكثر من التوقف عند حادثة مؤسفة.

المشهد المتوقع من الأزمة أن السعودية ستمضي في استكمال تحقيقاتها بعد عودة النائب العام من إسطنبول، وحصوله على نتائج التحقيقات التركية، وستعد لائحة الادعاء، ثم ستحيل المتهمين إلى القضاء ليقول كلمته، وتركيا ستحتفظ بموقفها إلى أن يصدر القضاء السعودي أحكامه، والمتهمون يواجهون العدالة في بلادهم، أما أميركا فستبقي الأزمة معلقة إعلامياً على الأقل إلى ما بعد السادس من نوفمبر موعد الانتخابات النصفية للكونغرس وثلث مجلس الشيوخ و36 من حكام الولايات، حيث سيكون موقف الرئيس الأميركي أفضل حالاً –كما هو متوقع-؛ ليبدأ تنفيذ مشروعاته الاستراتيجية في المنطقة بجانب حليفه السعودية، وأهمها الموقف من إيران.

د. أحمد الجميعـة

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *