الوعي.. يُجهِض أحلام الهيمنة وإعلام الزيف

الرياض - متابعة عناوين

صلابة العلاقة ورسوخها بين القيادة والمواطن أجهضا كل محاولة بائسة من المرجفين ومن المدفوعين بحقد مقيت لعمل كل ما من شأنه فتّ هذه اللحمة واختراقها، وباؤوا بخسران وخيبة وهوان وذِلّة، ولم يَنَلْهُم من محاولاتهم سوى التعب والخذلان..

لا تكمن خطورة «التلفزيون» من كونه ما زال متربّعاً على عرش وسائل الإعلام المختلفة وإنما من كونه أصبح أداة بالغة الخطورة في المجتمعات؛ فقد تحوّل من أداة للمعرفة والثقافة والترفيه إلى أداة للعنف الرمزي.

إنّ نظرة سريعة على الأحداث السياسية الأخيرة التي اصطخب بها العالم خصوصاً مع تداعيات قضية قتل جمال خاشقجي وما صاحبها من فبركات إعلامية واستثمارها بطريقة بشعة من قبل الإعلام المضاد والأعداء الذين كشفت هذه القضية حقدهم وحسدهم بشكل مروّع لم يصل في خلد أكثرنا تشاؤماً وأوسعنا خيالاً، خصوصاً من نظام الحمدين الذين استنفر كل جهوده وطاقاته وأمواله ووسائله غير الشريفة في التربّص ومحاولة الاصطياد في الماء العكر، وجنّد قناته الوضيعة بطاقمها الذي لا يقل وضاعة وبشاعة نفسية وتشوّهاً أخلاقياً لم نجده في الغرب البعيد.

ولعل المتابع للقنوات التي كانت على تماس مع الأحداث التي سعى المتربّصون إلى تدويلها بغية الإضرار ببلادنا ومقدراتها يلحظ كيف كانت تلك القناة الحاقدة جاثمة على مدار الساعة تمارس التضليل من خلال بثّ مواد مفبركة وخطابات مزيّفة وأخبار وصور مغلوطة بهدف تكوين وعي زائف يسعى لنشر رسائل مغلوطة يتم تغليفها بخط أيديولوجي ومن ثم تشكيل رأي عالمي زائف.

ومع شراسة تلك الحملة الإعلامية المضللة التي استهدفت قيادتنا وبلادنا إلا أنّ تاريخنا المشرّف على امتداد عمر دولتنا الفتية وثباتها وقوة حضورها وتأثيرها وكذا سجلّها الناصع إن على مستوى مساعداتها لأشقائها القريبين ومحيطها العربي والعالمي فضلاً عن نجاحاتها التاريخية المشهودة في رأب خلافات وانشقاقات بين بعض الدول بعد أن كان تقارب تلك الدول واتفاقها أشبه بالمستحيل. كما أثبت التحدّي الذي صاحب هذه الأحداث حالة التلاحم النسيجي بين المواطن وقيادته بشكل يدعو للزهو والفخر والمباهاة؛ ولا غرو فصلابة تلك العلاقة ورسوخها أجهضا كل محاولة بائسة من المرجفين ومن المدفوعين بحقد مقيت لعمل كل ما من شأنه فتّ هذه اللحمة واختراقها إلا أنّهم باؤوا بخسران وخيبة وهوان وذِلّة بعد أن تصدّعت وتكسرّت صخور أحقادهم وتذرّرت ولم يَنَلْهُم من محاولاتهم سوى التعب والنّصَب والخذلان.

إعلام نظام الحمدين بكافة وكالاته وفروعه على مستوى ومن شايعه وسار على خطاه الدنيئة المُتَشفِيّة الحانقة على المملكة بتاريخها العظيم وثقلها السياسي والروحي والاقتصادي العالمي وظّف كلّ طاقاته وأمواله لهذه الأحلام المتمثّلة في تصديع هذا الكيان العظيم ولكن هيهات؛ ولنا أن نفخر ونزهو أنّ بلادنا بهذا الحضور الذي يثير الحنق والحسد والغيرة؛ إذ لا يُحدِث هذه الغيرة والحسد إلاّ من هو ذا شأن عظيم لا يدانيه شموخاً وعظَمة وتأثيراً أي كيان؛ ولا غرو فهذا شأن الكبار العظماء.

إنّ هذا الإعلام المأجور الزائف المتلاعب بالعقول وبالوعي إحدى جنايات العلم الزائف؛ فالعلم بطبعه النقي وُجِدَ لخدمة البشرية وتخفيف عذاباتها وبؤسها، ومن ثمّ فهو محايد، لكنّه يفقد حياده حين ينحرف به المُشوّهون والشرّيرون عن مساراته النفعية الخادمة للبشرية إلى مسارات ضارّة تفاقم بؤس البشرية وتزيد من ويلاتها، حين يتم توظيفه بشكل بشع كالذي تتقيّؤه «شبكة الجزيرة» ومن يدور في فلَكِها القميء المُشوّه الذي لا يحفل بأي قيمة أخلاقية أو إنسانية؛ يدّعي أنّه يمارس شكلاً من الديقراطية فيما هو يمارس دكتاتورية مقيتة بحجب أخبار الدولة التي ينطلق منها، فمتى سمعنا أو شاهدنا أي شأن قطري عبر قناتهم المؤدلجة الرخيصة التي باتت آلياتها وبنياتها مكشوفة رغم محاولتها التواري والتخفّي في تعاطيها الإعلامي المشوب بالمكر والخُبث لتحريف سلوك وعقول متابعيها.

إنّ تشريح هذا الإعلام وتوصيفه وتفكيك آلياته ليس بالعسير فمن قرأ كتاب «التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول» لبيير بوردو أحد أهم منظري حركة العولمة البديلة، يدرك فظاعة مثل هذا الإعلام وكيف أنه يوظّف المال لتسييس الإعلام بما يخدم الجهة المالكة له ومن ثم يكون في متناوله تزييف الوعي والتلاعب بالوعي والهيمنة عليه وتزييفه؛ الأمر الذي يجعل الحاجة ماسة لتضافر المؤسسات الأكاديمية مع الحراك المجتمعي والمساهمة في خلق وعي حقيقي نقي، لا أن تكون مؤسسات بمعزل عن المجتمع وهمومه وتحدياته الراهنة، كما تبدو الحجاة أكثر إلحاحاً للمثقفين الحقيقيين: المثقفين الجمعيين الذين يستدعي الواقع تماهيهم مع مشكلات وطنهم وممارسة دور حقيقي في ترسيخ الوعي الوطني والاعتزاز القيمي وصونه وتحصينه من أي زيف وتسطيح وخواء.

عبدالله الحسني

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *