خشبة خاشقجي

الذي لا ريب فيه، أن قضية الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، المجهول مصيره، حتى اليوم، تحولت لـ«كارت» لعب سياسي، وورقة ابتزاز إعلامي، أكثر من كونها مجرد قضية جنائية، ذات رائحة سياسية.

ورقة يتقاذفها ويعتصر عصارتها أطراف عدة، خشبة يخبط بها من شاء ما شاء ومن شاء من الخصوم! خشبة يجدّف عليها السابحون بتيارات عدة، كلهم يدلي ساقيه ويجدّف على الماء فوق خشبة خاشقجي!

لم يعد مصير جمال، ماذا جرى له، من فعل له ماذا؟ ومن هم؟ وتحديد المسؤولية القانونية الصرفة؟ ناهيك من اللاعبين الغامضين في القصة… لم يعد كل هذا هو المهم، لأن المهم قد حصل فعلا، في المحكمة السياسية والإعلامية المنصوبة على أقواس محاكم الميديا الإخوانية واليسارية العالمية، فقد أخذت قرارها بالفعل وأصدرت حكمها وحدّدت العقوبات، ورفعت الجلسة!

جمال بن أحمد بن حمزة خاشقجي، الصحافي السعودي، الذي كتب ونظّر لعلاقة استراتيجية بين الدولة السعودية وجماعة الإخوان، ورشّح نفسه سفيراً فوق العادة لهذه المهمة الكبرى، هل كان ينتظر في المنعطف الأخير من مسيرته أن يصير كأساً يضع فيها اللاعبون الدوليون والجماعات العالمية عصي الشفط لارتحاق كل قطرة فائدة!

بكلمة واحدة، – وللأسف الشديد – جمال ليس ولا آخر صحافي أو سياسي أو ناشط يختفي أو يقتل أو يفقد في العالم، لدينا العشرات بل المئات، بل هذه الأيام فقد مصير رئيس الإنتربول الدولي نفسه في الصين! تخيلوا! ولم يكشف مصيره إلا بعد أيام وقالت الصين: لا تسألوا عنه… الرجل موقوف عندنا وابحثوا عن غيره، وتجاوب القوم، الدوليون والمدنيون، بمرونة عجيبة وتمّ تعيين بديل له، ولم تقم حفلة هستيرية عالمية عنه، كما جرى مع حادثة جمال.

غاية القول، السعودية دولة ومشروع ورؤية وقيادة مستهدفة، بحرارة، وبإلحاح، من قبل جماعات وكتل عالمية متشعبة، صادف أن كان خبر جمال، بموسم انتخابي أميركي، بحالة انقسام وعداء عميق بين الجمهوريين، رهط الرئيس ترمب، والديمقراطيين، خصومه الألداء، فصار العداء للسعودية، حليفة ترمب، جزءا من استهداف ترمب نفسه!

أيا كان مصير التحقيق ونتائجه، وهو الذي أثنى على تشكيله وزير الخارجية الأميركي، بومبيو، من الرياض، فإن عبرا كثيرة يجب الخروج بها من هذه الأزمة، إعلاميا ودبلوماسيا… وثقافيا.

يبقى القول، لمن يلقي بجحيم اللوم على الإعلام السعودي، تحديدا، أو من يحالف السعودية، على رسلكم أيها القوم – فمع إقراري بمشكلات حقيقية، ليس فقط إعلاميا – إلا أن الذي جرى مؤخرا، أبشع وأخبث وأعقد بكثير.

مشاري الذايدي

(الشرق الأوسط)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *