الأداء الإعلامي ودوره في حماية المملكة

الأمر كُله بدأ من تغريدة غامضة للسيدة خديجة جنكيز على موقع التغريدات النصية القصيرة «تويتر»، تفيد باختفاء المواطن جمال خاشقجي، ليتفجر بعدها سيل من التغريدات والتحليلات والسيناريوهات المفترضة، فضلاً عن عشرات بل مئات التكهُنات المدفوعة بالنظريّات المُسبقة، التي تُعالج الاختفاء الغامض للمواطن السعودي، واضعةً فجأة أجهزة المملكة تحت المجهر، مُطالبةً إياها بأقصى درجات المهنية والحيطة والتعامل الحذِر والاستباقي لردود الأفعال في الوقت ذاته، لتمثيل المملكة على النحو المطلوب، وتلافي الوقوع في الأفخاخ المتوقع حياكتها بالتأكيد من المتربصين، الذين لن يتوانوا عن استخدام كل ما هو مشروع، وغير مشروع بكُل أسف، للإيقاع بسُمعة المملكة الدولية، والترويج للأكاذيب بوصفها حقائق، والتكهنات على أنها الواقع المشفوع بالبراهين والقرائن، التي تصب جميعًا في بوتقة شيطنة المملكة، وتصويرها في صورة الوحش الضاري المتعالي، الذي يصفّي أبناءه في الغُربة بدم بارد.

بشكل ما وعلى مدار الأيام الماضية، تذوب قضية المواطن المختفي في خضم معركة أكثر شراسة بقيادة الذراع الإعلامية القطرية؛ الجزيرة، التي انتهزت فرصة الواقعة لتُسدد سهاما عشوائية إلى المصداقية السعودية، وإلى أجهزتها الإعلامية والدبلوماسية فيما يبدو خروجًا عن سياق الأزمة الأم، فنرى تبنيا لحظيا وغير مهني منذ اختفاء «خاشقجي» لاحتمالية وفاته، بل اتهامات صريحة غير مهنية للمملكة بالضلوع في العملية، وحياكة سيناريوهات مختلفة عن الواقعة، تُبث إعلاميًا على العالم أجمع دون مراعاة أدنى متطلبات الحياد الإعلامي وجلب الرأي والرأي الآخر.

من جهة أخرى، تستعر معركة التصريحات مُجهلة المصدر، والمعلومات غير الدقيقة من مصادر ليست بالأصيلة، ولا نغفل عن ذكر تسخير وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة موقع «تويتر» في بث كل التفاصيل السالف ذكرها، ثم العمل على حذف التغريدات وكأننا لسنا عام 2018، ولدينا كل وسائل التوثيق الممكنة لتحليل الظواهر الإعلامية، وبالطبع يبدو سلوك «الجزيرة» كظاهرة إعلامية تستحق التأمل والدراسة في مدى خلط العمل السياسي بالإعلامي، وتسخير قنوات المعرفة في تصفية الحسابات.

الاستباقية والحذر، مرة أخرى، هما الكلمتان المفتاحيتان للأداء الدبلوماسي والإعلامي المنشودين في مثل هذه الأزمات، فمن ناحية يجب على وسائل الإعلام التيقُظ الشديد للأكاذيب المتداولة، وعدم الوقوع في فخ ترويجها مقابل نفيها بالأدلة المقنعة للرأي العام العالمي بالتأكيد، علاوة على ذلك، الدور الأساسي للدبلوماسية يتمثل في تصدير بيانات إعلامية واضحة ودورية الصدور للكشف عن الملابسات اليومية التي تطرأ على القضية المثيرة للجدل، فيما يجب على الإعلام النشر المتواصل لهذه البيانات، والعمل على سد الفجوات المعلوماتية التي تتسرب عبرها الأكاذيب، فعلى سبيل المثال، الوصول إلى أسرة جمال خاشقجي كان من الأولويات المحمودة للأداء الإعلامي، الذي لا بد أن يظل على المنوال والوتيرة نفسها في المعركة طويلة الأمد لحين حل لغز الاختفاء، وأن يكون سباقًا أيضًا بكل ما هو جديد، فيصبح بدوره مقصدًا لوسائل الإعلام العالمية للنقل عنه والترجمة، بديلا عن النقل من المنصات التي تتبنى الكذب والافتراء منهاجًا وقيمة مُتبعة.

نايف الوعيل

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *