تأجيل ثأر الحريري!

قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري تعيد اللبنانيين في كل مرة إلى المربع الأول، حيث أحاديث الشعب لا تنقطع من تكرار القصة، وشهودها، وشواهدها، وتداعياتها على لبنان والمنطقة، ويزداد الجرح ألماً بعد ثلاثة عشر عاماً مضت من أنهم يعرفون القتلة بالاسم، ومن يقف خلفهم، ومع ذلك لا يزالون صامتين، خائفين، مترددين من أن يبوح أحد منهم بالحقيقة ليلقى حتفه، كما كانت نهاية كثير من الشرفاء بينهم.

محاكمة المتهمين الأربعة في حادثة الاغتيال دخلت مرحلتها الثالثة في لاهاي قبل أن تنطق المحكمة في القضية مطلع العام الميلادي الجديد، ورغم كل الاهتمام السياسي والإعلامي بالقضية إلاّ أن توقيتها اليوم مختلف عن 2005؛ حتى إن سعد الحريري نفسه خرج من المحكمة متحدثاً عن عدم الرغبة في الثأر، وإنما محاولة إعادة اللبنانيين إلى مشروع وحدتهم ووطنهم الذي كان الحريري الأب ينادي به، وهذا بحد ذاته هو التطور الأهم في القضية؛ لأن سعد الحريري يدرك أن حزب الله وعناصره وبدعم من النظام السوري هم من قتلوا أباه ورفاقه، ويدرك أيضاً أن المحاكمة ليست سوى توثيق للحقيقة، وليست تحقيقاً للعدالة بالقصاص من القتلة الذين يحميهم حزب الله، ويرفض تسليمهم، فضلاً عن عدم اعترافه بالمحكمة والمحاكمة أصلاً.

اللبنانيون بعد رفيق الحريري لا يزالون تحت حكم حزب الله، ووصايته، ونفوذه، وهذه هي الحقيقة التي توجعهم من الرئيس إلى رئيس الوزراء إلى النواب إلى أصغر مواطن لبناني هناك، حيث لا يزال حسن نصر الله هو من يحكم لبنان بسلاحه، وإرهابه، وميليشياته، وتصفية خصومه كما فعل مع رفيق الحريري الذي كان حلمه أن ينتصر لبنان الوطن بكل مكوناته ولكن نصر الله لم يمنحه الفرصة لتحقيق ذلك، وقضى عليه في عملية تفجير وسط بيروت وأمام بقية خصومه من الأحزاب الأخرى؛ ليعلن بعدها سيادة لبنان، وتقرير مصيره، وكل من يحاول أن يعارضه يعيد له شريط اغتيال رفيق الحريري ليتوقف خوفاً، ويصمت مجبراً.

المحكمة الحقيقية ليست في لاهاي، وإنما في بيروت؛ حينما يحاكم اللبنانيون المجرم حسن نصر الله، ويعيدون لبنان إلى سيادته، وقراره، وعروبته، وتسامحه، ووفاقه، وهي اللحظة التاريخية التي لم تحن بعد، ولكن الطريق ممهد اليوم لتحقيقها بعد أن يعرف نصر الله أن إيران ليست في أفضل حال بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، ومشروعها يتهاوى في سورية واليمن والعراق وأكثر من مكان، والضغوطات الاقتصادية تحاصرها من كل جانب، والشعب ينتظر ساعة الصفر لينتفض على الملالي؛ حينها يدرك حسن نصر الله أن المهمة انتهت وعليه أن يدفع ثمن ثأر الحريري المؤجل من سنوات.

د. أحمد الجميعـة

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *