لأجل هذا.. نتفهم

لو تم ترك الأمور على هوى الناس لما نشأت المجتمعات، ولما ازدهرت الحضارات، ولما ساد الأمن والاستقرار.

كلنا نحس ببعض الأعباء أحياناً.. ونتمنى في قرارة أنفسنا أن نهنأ بالعيش دون أدنى معاناة أو منغصات. لكنّ ارتضاءنا أن نعيش ضمن مجتمع، يزخر بالخيرات والنعم والطمأنينة، يعني بالضرورة ارتضاءنا ببعض التنازل منا تجاه الآخر لكي يقدم ذلك الآخر بعض التنازل لنا.

قد يقيم جارنا مناسبة في منزله فنرضى التنازل عن المواقف أمام منازلنا لضيوف جارنا.

قد تتغاضى عن هنات بعض المحيطين بنا إيماناً بأننا لسنا ملائكة وأن أولئك المحيطين بنا يتجاوزون عن الكثير من هناتنا.

قد نتسامح حتى مع الغرباء، ونتنازل عن بعض حقوقنا ونحن قادرون على استيفائها، بل قد نتسامح أكثر وأكثر فنحسن لمن أساء.. وكلها سمات لمن تهذبت نفوسهم بالعقيدة السمحة، وارتفعت آفاقهم الذهنية إلى فضاءات الفهم السليم لمقتضيات العيش ضمن المجتمع.

ومثلما تقوم المجتمعات على التراضي بأن يكون الكل في خدمة الكل، كذلك يكون شأن الدول، فعلاقة المجتمع بالدولة في كل مكان هي أن يعمل الناس من أجل دولتهم، فتقوم الدولة بتوظيف ذلك لخدمة المجتمع.

تذكرت كل ذلك ونحن نحس بلسعة فواتير الكهرباء، وهي التي لم تفاجئنا على حين غرة، بل كنا نعلم أنها ستأتينا برسوم جديدة سبق الإعلان عنها، لكن معظمنا فضل التغاضي عن الأمر، باعتبار أن الأمر سيمس الآخرين ولن يمسنا نحن!

ليس من العيب أن نقر بأننا مجتمع مسرف في استهلاك النعم. فلكم اقتنينا المركبات التي تستهلك الوقود بنهم دون اكتراث، ولكم أقمنا الولائم البذخية التي يكون نصيب القمائم منها أضعاف أضعاف نصيب من يؤمّون تلك الولائم، ولكم أهدرنا المال في شراء ما لا نحتاجه فقط إشباعاً لشهوة الشراء والامتلاك!

لكن الأمر لم يقتصر على ذلك، فللأسف باءت كل دعوات الترشيد للكهرباء بالفشل، وازداد عدد المخالفين لأنظمة المرور رغم حملات التوعية ورسوم المخالفات، وارتفع البذخ في المأكل والمشرب ناسين ومتناسين أن النعم تفنى بالإهدار.

إن وجودنا داخل دولة ترعى شأننا وتسعى بكل دأب لخدمتنا يتطلب أن نعي دورنا تجاهها. فالترشيد في استخدام الكهرباء يعني اتساع الفرص بأن يهنأ الجميع بهذه الطاقة المهمة، وأن يقل الاستهلاك الضخم لثروتنا النفطية الناضبة والتي لن تدوم إلى الأبد، وأن تستمر عجلة الرخاء في الدوران بلا مصاعب أو انتكاسات..

كل حياتنا محتاجة لإعادة صياغة في أنماطنا الاستهلاكية، ولذلك نتفهم أن تسعى الدولة بجدية أعلى ليكون الترشيد كابحاً للإهدار.. حتى ننعم كلنا بمجتمع مزدهر يقدر النعم ويسعى لصونها.

محمد الوعيل

(الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *