الشرعية اليمنية والقرار الدولي

منذ عام 2014 برز تمرد الحوثيين باللقاء بينهم والرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح. حينئذ كان الشعب اليمني قد مرَّ بمخاضٍ هائل جرت خلاله أمورٌ كثيرةٌ أهمها: الحوار الوطني الطويل ومخرجاته الإجماعية، والمبادرة الخليجية التي أدّت إلى تنحّي صالح وانتخاب هادي. وعندما كان الأمران يتمان، كان الحوثيون قد استولوا على عدة محافظات هي المعروفة بأكثريتها الزيدية. وكان مفروضاً بعد انتخاب هادي أن تُعاد هيكلة الجيش وأجهزة الأمن. لكنّ ذلك لم يحصُلْ، فكانت النتيجةُ عندما قرر صالح الانحياز للحوثيين انقسام الجيش، بينه (ألوية الحرس الجمهوري) وبين الشرعية الجديدة، وأُضيف ذلك إلى الانقسام الذي حصل مثله في الجيش عام 1994 بين الشمال والجنوب. وهكذا تقدم الحوثيون من جهة، وتقدمت ألوية صالح من جهةٍ أُخرى، فسقطت عَمران الحامية لصنعاء، ثم سقطت صنعاء. وأقنع المبعوث الدولي آنذاك جمال بنعمر رئيس الجمهورية هادي أنه لم يضِعْ كل شيء، وأنه يمكن الوصول إلى حلٍ وسط بين صالح والحوثيين من جهة، والشرعية من جهةٍ أُخرى. ثم تبين أنّ الزحفين الحوثي والصالحي مستمران باتجاه المحافظات الوسطى وصولاً إلى عدن وما وراءها، وباتجاه السواحل فيما بين إب وتعز ووصولاً إلى الحديدة. وقتها صدر القرار الدولي رقم 2216 الذي يتبنى المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، ويطالب بخروج الميليشيات من المدن، وبنزع سلاحها، ودعم الشرعية.

خرج الرئيس هادي من صنعاء، ولجأ إلى المملكة العربية السعودية، وطلب من الخليجيين دعم الشرعية، والمساعدة في إنفاذ القرار الدولي لإنهاء التمرد. وبالإضافة إلى المصلحة الخليجية في استقرار اليمن، فإنّ الحوثيين كانوا قد بدأوا بمهاجمة السعودية من جهة الجوف، ومن جهة صعدة، بل فكروا بمهاجمتها من جهة حضرموت. لذلك، ولأنّ أحداً من أعضاء مجلس الأمن الدولي الكبار، ما كان مستعداً للإسهام في مساعدة الشرعية، فإنّ التحالف العربي الذي ضمّ إلى الخليجيين، كلاً من مصر والسودان، تدخل عسكرياً باليمن وما يزال.

لماذا هذا العرض الطويل؟ لأنّه رغم القرار الدولي ضد التمرد وفرض عقوبات على شخصيات وكيانات منه، فإنّ الأطراف الدولية دخلت مع المتمردين عبر ممثل الأمين العام للأُمم المتحدة، في مخاضاتٍ استئنافية مسوِّيةً بين الشرعية وبين المتمردين في ضرورة الوصول إلى حلٍ سياسيٍ بالتفاوض. ومنذ بداية العملية التفاوضية بالكويت وإلى اليوم ظلّ المتمردون يتسللون ويضربون المملكة بالصواريخ، ويقتلون ويهجِّرون ويسرقون الشعب اليمني شأن كل الميليشيات، وظلت الجهات الدولية السياسية والإنسانية مهمومةً بما يصيب اليمنيين، ليس من الحوثيين الذين يحاصرون المدنيين ويقتلونهم، بل ما يصيبهم بزعمهم من طيران التحالف وقوات الشرعية!

إنّ الوضع اليوم، وبعد ثلاث سنوات، أفضل بكثير. فقد حررت قوات التحالف جنوب اليمن كله، وتوشك على تحرير كل المحافظات الوسطى ومعظم الساحل، ومحافظة حجة، وهي تمضي باتجاه صعدة بعد أن حررت محافظة الجوف، من جهتي الجوف وحجة.

لقد تصاعد الصُراخُ الدولي السياسي والإنساني من جديد، عندما حاولت قوات الشرعية التقدم لتحرير الحديدة، ولأربعة أهداف: إخراج الحوثيين وعساكرهم من تهامة، ومنع تهديد أمن الملاحة الدولية في باب المندب، واستعادة الميناء المهم إلى حضن الشرعية، وتحرير ملايين اليمنيين من اغتصاب الميليشيات واستغلالاتها. إنّ حجة الصارخين هذه المرة، كما في كل مرة، أنّ المدنيين يتعرضون لأخطار، وأن هذا القصف الجوي على مواقع الميليشيات وحشودها ينال من المؤسسات! أما مدينة تعز المليونية، والتي ما تزال مُحاصرة، وسقط من مدنييها الآلاف، فلا أحد من السياسيين والإنسانيين المزيفين يذكر كلمةً عنها!

في كل مرة، وعندما تُعاد تمثيلية التفاوض ومسرحياته يُطلب من قوات الشرعية والتحالف إيقاف القتال «لبناء الثقة»، وإنجاح المسرحية المزعومة. وبالفعل وهذه المرة أيضاً وقد حدد غريفيث موعد 6/7 سبتمبر لتفاوضٍ جديد، فإنّ الضغط العسكري على الحديدة بالذات قد خف. إنما الفرقُ هذه المرة أنّ المملكة والإمارات أعادتا بناء جيش الشرعية وتسليحه، وأنّ القتال ضد المتمردين في الجبهات الأخرى وجبهة الساحل أيضاً لن يتوقف، لا الآن ولا أثناء التفاوض.

ولا مرَّة تذمَّر الإنسانويون أو البريطانيون والفرنسيون والألمان، إلاّ وأصغى التحالف، وأصغت جهات الشرعية إلى الشكاوى وحقّقت فيها، وسمحت لبعثات بالتحقق والتحقيق. لكنّ التقرير الأخير متحيزٌ وظالمٌ بالفعل. فهو لم يذكر شيئاً عن الهجمات الصاروخية على المملكة، ولا عن عشرات ألوف الألغام والصواريخ الآتية من إيران. ولا أَبَهَ لملايين اليمنيين المُحاصَرين، وعشرات ألوف الأطفال المجنَّدين. وما ذكر شيئاً عن بهورات نصر الله وميليشياته واستقبالاته لآل حوث وأتباعهم.

لا بد من إنقاذ الشعب اليمني، ومن القضاء على التمرد الحوثي، أو يحصل لليمن ما حصل لسوريا والعراق ولبنان من ميليشيات إيران. ودعْك من النواح الكاذب الذي يستثني أطفال اليمن ونساءه ومدنه ومرافقه ومرابعه. فما كان ينبغي الاعتراف بالميليشيات كجهة تفاوضية، ليس لإضرارها الفادح بأمن اليمن واستقراره فقط، بل ولأنّ القرار الدولي 2216 يطلب نزع سلاحها، وإخراجها بالقوة من مدن اليمن ومؤسساته العامة، وليس استجداء رضاها وتشجيعها على قتال اليمنيين وقتلهم!

د. رضوان السيد

(جريدة الاتحاد الإماراتية)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *