البلدة التي تنتظر فوز ناديها ببطولة كأس الملك

1- هذه البلدة عمرها سبعة قرون.. لكنها لم تكبر ولم تَنْمُ ولم تتسع (حتى منتصف السبعينيات مع الطفرة الاقتصادية الأولى).. فمقابل كل مولود يولد فيها كان هناك شاب يهاجر منها طلباً للرزق.. فهي كأغلب بلدات نجد التي عُرفت تاريخياً بأنها: (تلد ولا تُغَذَّى) كما يقول المؤرخون عنها.. واكتفى أهلها بالفلاحة رغم شح المياه.. كما اكتفوا بتصدير أبنائهم إلى الهند والبحرين والكويت والعراق وسوريا.

2- قصة نشأة تلك البلدة عجيبة.. فقد غادر مؤسسوها الأوائل (أوشيقر) من إقليم الوشم في عمق نجد.. واستقروا لفترة قصيرة في (التويم) إحدى قرى إقليم سدير.. ثم ارتحل بعضهم إلى مكان فيه أطلال قرية قديمة تأسست في القرن الرابع الهجري لكنها اندثرت نتيجة جدب وقحط ونزاعات.. وكانت تعرف باسم (حرما) وهو مأخوذ من اسم وادي (حريم) الذي أصبح الآن اسمه وادي (المشقر).. العجيب في قصة النشأة هي الأحداث التي صاحبت التأسيس سواء في أوشيقر التي غادروها مجبرين أو التويم التي أقاموا فيها مؤقتاً أو فيما بعد مع (المجمعة) وكيف أسهموا في تأسيسها.. ولكن قصة النشأة ليست موضوعنا اليوم.. المهم أن «حَرمة» عاشت تأكل مما تزرع وتصدر أبناءها لطلب الرزق كما هو حال كل قرى نجد في ذلك الحين.. حتى أصبح من أمثالهم الدارجة: (الهند هندك إذا قل ما عندك) و(الشام شامك إذا الزمن ضامك).

3- على مدار سبعمائة سنة كل الذي فعلته تلك القرية أنها حافظت على بقائها.. ومع مطلع صعود الدولة السعودية الثالثة استمر نفس نمط الحياة.. لكن تصدير شبابها اقتصر في هذه المرحلة على الرياض والشرقية.. وانتشروا بعدها في أنحاء المملكة وتعلموا وأنتجوا وحققوا إنجازات تسر الوطن.

4- تربيت (وأنا الآن ابن الستين) أن النادي ليس نادي الآخرين بل نادينا نحن (وأقصد بنحن أبناء حرمة).. الذين أسسوه، والذين يديرونه، والذين يلعبون فيه، والذين ينفقون عليه، والذين يقيمون مناسباتهم فيه، والذين يزورونه، والذين يقضون سهراتهم داخله، ويمارسون هواياتهم في غرفه.. في المقر الذي أُهدي للنادي من أحد أبناء «حرمة» عند التأسيس.. ثم اليوم وهو يملك منشآت متكاملة كلها بتبرع من أبنائها.. كان النادي ولا يزال ذا صلة شخصية بكل فرد منهم.. يفرحون لمنجزه ويحزنون لإخفاقه.. قلما تصل العلاقة بين مجتمع صغير بناديه كما وصل بين أبناء «حَرمة» والنادي الفيصلي.

5- النادي الفيصلي هذا العام رد لأهل حرمة جزءاً من جميل حبهم وعنايتهم ورعايتهم له.. فإضافة إلى أنه يعد اليوم أكبر مؤسسة مجتمع مدني في المنطقة.. فقد فاز هذا العام ببطولة المملكة للدوري الأولمبي لكرة القدم ونافس في دوري المحترفين السعودي لكرة القدم على المراكز المتقدمة.. وهو اليوم تحديداً يلعب أمام ملك المملكة العربية السعودية للمنافسة على الفوز ببطولته وكأسه.

6- اليوم «حَرمة» في انتظار البشارة بفوز فريقها ببطولة كأس الملك.. وإذا لم يحالفهم التوفيق.. فحقيق لها أن تفخر بوصول أبنائها إلى المباراة النهائية ليتشرفوا بالسلام على المليك المفدى.

م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

(الجزيرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *