مدارس مهنية لتعديل سوق العمل

يتفق كثيرون على أن سوق العمل لدينا قد وصل، أخيرا، إلى مرحلة مزعجة من الارتباك.. فالخريجون من الجامعات في الداخل والخارج في زيادة، وأصحاب الأعمال يطلبون الخبرة مع المؤهل، ولذا، تغلق الأبواب في وجه طالب العمل من الشباب المتخرج حديثا، حتى لو كانت معدلات نجاحه عالية، بل ومميزة من أرقى الجامعات العالمية.. وبذلك، تزداد نسبة البطالة عاما بعد عام، ويظل الاستقدام من الخارج في زيادة، خاصة للأعمال المساندة، التي لا تتوافر المهارات المطلوبة لها لدى الشباب السعودي.. وهذا هو موضوع مقالي اليوم.. وأعني بالأعمال المساندة، السكرتارية التنفيذية ومسك الدفاتر وما في حكمها، ويتم الاستقدام إما بمسميات وظيفية مختلفة، أو عن طريق شركات توفير العمالة.. والموظف الملائم لهذه الأعمال لا يتطلب أن يحمل مؤهلا جامعيا، وإنما يكفي الثانوية مع دبلوم مهني في التخصص المطلوب.. ويكون سعره بالنسبة لصاحب العمل أفضل من الجامعي، وطموحاته أقل.. وللحقيقة والإنصاف أقول، إن بلادنا كانت سباقة في توفير هذه الكوادر حينما أسست التعليم الفني والمهني قبل نحو ثلاثة عقود، ولكن سوق العمل، آنذاك، كانت محدودة، ولم تستوعب أعداد الخريجين، كما أن الشباب السعودي في ذلك الوقت كان يفضل الوظيفة الإدارية العادية، ولذا، ترك هذه المجالات لغير السعوديين، فمن يعمل في السكرتارية وفي المحاسبة كانوا من مواطني الدول العربية قبل التعرف على عمالة الفلبين الماهرة في هذه الأعمال.. وأقفلت معظم هذه المعاهد المهنية، ومعها مدارس التجارة المتوسطة، ثم الثانوية، التي كان في مناهجها عديد من المهارات المطلوبة، كالسكرتارية ومسك الدفاتر، ولم يبق إلا معهد الإدارة العامة، الذي يخرج أعدادا محدودة، والطلب عليها كبير، نظرا للمستوى الممتاز لخريجيها.. ولقد قال لي أكثر من صاحب عمل، خاصة في المؤسسات المتوسطة والصغيرة، إنه يتمنى أن يجد شابا سعوديا معه شهادة الثانوية مع دورات مكثفه في السكرتارية أو في مسك الدفاتر، وهو مستوى أقل من المحاسب، كي يؤدي هذه الأعمال لديه بأجر مناسب قد يصل إلى ما يدفعه للجامعي، لكنه يضمن بأن هذا الشاب سيعمل معه طويلا، ولن يتخذ العمل لديه محطة للبحث عن عمل آخر.. وفي مجالات أخرى غير السكرتارية ومسك الدفاتر، هناك، مثلا، تربية الدواجن، وقد قال لي مدير عام شركة كبرى لديها مشروعات للدواجن، إنه يتمنى أن يتدرب بعض حملة الثانوية العامة على الأعمال الفنية لمشروعات الدواجن، وسيؤمن لهم التدريب على رأس العمل مع مكافأة مناسبة، ثم سيحصل المتخرج على وظيفة يشغلها، الآن، غير السعوديين.

وأخيرا، لتوفير هذه الكوادر، لا بد من دراسة لإيجاد مدارس مهنية، وهي موجودة في بعض الدول، ومنها بريطانيا، وتعرف باسم (Vocational School)، ويمكن أن تشرف على هذه المدارس إما مؤسسة التعليم الفني والمهني، أو وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهي المسؤولة عن توازن سوق العمل.. ويمكن أن تمول هذه المدارس نفسها عن طريق دعم الشركات الكبرى، مثل “أرامكو” و”سابك” و”الاتصالات السعودية”، وغيرها، حيث إن هذه الشركات تحتاج لتلك الكوادر في تخصصات أعمالها وفي الأعمال المساندة لديها، التي تشغلها الآن أيد غير سعودية عن طريق (Outsource)، التي قلبت موازين السعودة، وأحدثت خللا في سوق العمل، وحرمت المواطن من وظائف كثيرة.

علي الشدي

(الاقتصادية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *