كلمة السر في العلاقة السعودية – الأميركية

أصبحنا نتابع في شكل طبيعي كل ردود الفعل «الحاقدة» و«المأزومة» من كل خطوة تتقدم بها السعودية، في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، بل إن مثل هذه المواقف والحملات «ما ظهر منها وما بطن» أصبح غيابها هو الاستثناء، إذ أصبح لدى السعوديين عبر أجيال متوالية مناعة كاملة من كل ذلك «اللغط» و«الحقد» و«الدس» الرخيص الذي اعتادوا عليه منذ الستينات الميلادية إلى اليوم، بل إنه أصبح لدى الشارع السعودي فراسة متوارثة يعرف من خلالها حقيقة حسن النيات وصدق العلاقة لدى كل أشقائهم وجيرانهم وأصدقائهم، بمن فيهم أولئك الذين يفرشون السجاد الأحمر ويثور دخان مدافع الترحيب في مطاراتهم بالـ«٢١ طلقة»، فما بالكم بالقيادة السياسية السعودية المطلعة على كثير مما لم نعلم، ولكنها السياسة، التي ترى بغير ما نرى، وتتحدث بلغة غير التي نعرف، وتعيش أزمنة غير التي نعيش. وفِي الوقت الذي يفترض فيه أن يكون العالم على وعي كامل بنظرية المصالح المتبادلة بين الدول، بكل مكاسبها السياسية والاقتصادية والأمنية، فإنه مازال هناك من يعيش على أطلال «العقدة النفسية» التي ألمت به منذ زمن تجاه السعودية، قيادة وأرضاً وشعباً، بينما في الجانب الآخر تجد أن بعضهم التقط أنفاسه ولملم جراحه وتحامل على نفسه وكظم غيظه وأظهر ما لا يبطن.

والعلاقات السعودية – الأميركية منذ أكثر من نصف قرن إلى اليوم وهي الشغل الشاغل لكثير من الجيران والأصدقاء و«لكل من في نفسه حاجة»، بحيث تظهر مع كل زيارة سعودية رفيعة المستوى لواشنطن التقارير الإعلامية المسمومة والتغطيات المحبوكة (المعد لها مسبقا) قبل وأثناء وبعد الزيارة وبدعم خفي من الحكومات حينا، ليصل إلى دعم معلن في أحيان أخرى. وبقدر ما يدعو كثير من هذه الحالات إلى الشفقة والحزن أحيانا على من يكررون المواقف والسيناريو ذاته مع كل زيارة قيادة سعودية للبيت الأبيض، على رغم اختلاف الظروف والأزمنة والقيادات في البلدين، فإنهم في الوقت نفسه يجهلون، وربما يتجاهلون أن هذه العلاقة بقدر ما هي امتداد لصداقة سعودية – أميركية طويلة، فإنها في الأساس علاقة تعتمد على المصالح المشتركة المتبادلة بين البلدين، فلا يمكن للولايات المتحدة، من خلال عدد من رؤسائها الديموقراطيين والجمهوريين، عبر تاريخ البيت الأبيض، أن يظلوا داعمين للسعودية على الدوام وبنسب مختلفة بالمواقف والدعم السياسي والعسكري لولا أن كل ذلك ينعكس في شكل إيجابي على الاقتصاد الأميركي أولاً، ثم على تنمية التحالف بين البلدين وانعكاسه على القضايا المشتركة للبلدين في منطقة الشرق الأوسط، وبشرط اتساقه مع السياسات والمواقف السعودية المعلنة في المنطقة، والتاريخ وحده يسجل تأكيد ذلك.

ومع الزيارة الحالية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة، والتي تعد الثالثة له، يتأكد للمراقب والمتابع أن السعودية ماضية في سياساتها الرامية إلى دعم اقتصادها وأمنها الداخلي والخارجي مع كل قمة تعقد في البيت الأبيض، بل إن كل زيارة تأتي مكملة لما قبلها، وتشهد توثيقاً لنتائج متحققة وملموسة على الأرض وبأرقام وصفقات مكشوفة ومعلنة لا يقف أمام إخفائها أي أمر أو ريبة، فالسيادة السعودية لقرارها السياسي تمكّن قيادتها من أن تجعل كل قرارتها واضحة ومقروءة للقاصي والداني، بمن فيهم الأميركيون البعيدون عن صناعة القرار في البيت الأبيض، سواء أكانوا داخل مجلسي الشيوخ والنواب أم خارجه، والذين باتوا يدركون، بالتزامن مع البيت الأبيض، أن أي تعطيل أو عرقلة لصفقات التسليح للرياض تعني – بشكل فوري – تحريك البوصلة السعودية تجاه دول كبرى مماثلة في الشرق والغرب، بل إن التاريخ القريب جدا يشهد بصفقات سعودية ضخمة مع روسيا والصين وفرنسا وألمانيا، ضمن السياسة السعودية لتنويع مصادر التسليح العسكري.

وبالتالي، فإن أهم ما تركز عليه القيادة السعودية من نتائج في صفقاتها مع واشنطن هو ما يفعله دونالد ترامب لا ما يقوله، ولعله كان واضحا من حديث الرئيس الأميركي لوسائل الاعلام في البيت الأبيض، خلال كلمتين متبادلتين مع الأمير محمد بن سلمان، وهو يشير إلى عوائد الصفقات السعودية وانعكاسها على الاقتصاد الأميركي أنه كان يرمي إلى إيصال رسائل إلى الشارع الأميركي هدفه منها رفع شعبيته ولجم خصومه في الداخل، وبما يشير إلى أنه يحقق مكاسب اقتصادية كبيرة لبلاده، على رغم كل الحملات التي تشن ضده، قابلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بابتسامة عريضة تعكس حجم إدراكه لما يشير إليه ترامب، معتبرا ذلك شأناً داخلياً خاصاً لا يتقاطع في المقابل مع المصالح العليا للسعودية في دعم ترسانتها العسكرية بكل أنواع الأسلحة، من طائرات وصواريخ ودبابات وفرقاطات ومناطيد وذخائر للقطاعات العسكرية السعودية كافة البرية والجوية والبحرية، إلى جانب نقل التقنية العسكرية وتوطينها بما يؤهل الرياض لتصنيع ما يبلغ ثلث حجم هذه الصفقات.

وبعد كل هذا نعتقد أن من الطبيعي جدا أن تقابل جولة الأمير محمد بن سلمان في بريطانيا ثم أميركا بكل تلك الحملات الهشة التي تعكس حال القلق البالغ لكل أولئك المأزومين تجاه خطوات المملكة، التي تتشكل من جديد، محتفظة بإرث وثوابت طويلة الأمد منذ تأسيسها إلى اليوم!

خالد درّاج

(الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *