ولي العهد.. وترجمة الوجه السعودي الجديد

صحيح أن العلاقات التاريخية بين الدول بجذورها وانطباعاتها وتراكماتها لها انعكاساتها على مجريات متخذ القرار، لكن عالم السياسة الدولية يقوم أولاً على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وصولاً لتحقيق طموحات الشعوب، فما بالنا وهذه العلاقات «المتميزة» تكون بين أكبر قوة عالمية على وجه الأرض، وبين أكبر دولة إقليمية لها ثقلها الاقتصادي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط إضافة لرصيدها المعنوي المؤثر في قرابة مليار ونصف المليار مسلم.. وهو ما أتاح مساحات كبيرة مشتركة من التفاهم والتوافق بين الرياض وواشنطن، مهما كانت هناك اختلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا، كطبيعة الأمور والأشياء.

لذا كان من الضروري فهم كل هذه المتابعة الإعلامية الكبيرة للزيارة الحالية والمهمة جداً للأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة ولقائه بالرئيس دونالد ترامب وكبار المسؤولين، والتي يمكن اعتبارها في سياق التواصل بين البلدين الصديقين، من أجل تحقيق رؤية مشتركة لنزع فتيل الملفات الشائكة التي تلقي بظلالها على المنطقة، وتحتاج لتنسيق على أعلى مستوى لفك خيوطها بما يحقق الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الخليج بالدرجة الأولى، ومن ثم الشرق الأوسط بأكمله.

ولا يخفى على أحد، أن المملكة برؤيتها الجديدة تحاول أن تقدم نموذجها «المنفتح» سياسياً في مرحلة التغيير والتحول التي تعيشها إيجابياً في الداخل، مستفيدةً من تصويب حركة التاريخ نحو المستقبل الأفضل، لا الاعتماد على التاريخ وحده كـ«سيرة» ماضية نبني عليها للأمام، وليس العيش في جلبابها فقط، وهذا ما يقدمه نموذج شباب الوطن، محمد بن سلمان، في كل جولاته السابقة وصولاً إلى زيارته للولايات المتحدة، مؤسساً ما يمكن اعتباره المملكة السعودية الرابعة وحامل لوائها الأول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

قراءة بسيطة لمجمل حوار الأمير محمد بن سلمان مع قناة CBS الأمريكية قبل أيام، تضعنا أمام هذا «الفكر الجديد» بكل تجلياته الواضحة، وكما وصفته مذيعة اللقاء بـ«إنه جريء وصاحب رؤية» والأهم أن «ما يفعله في السعودية، يمكن أن يغير الشرق الأوسط بأكمله».. وهذا ما يمكن رصده أيضاً حول ملخص حوار سفير المملكة في واشنطن الأمير خالد بن سلمان لقناة CNN من حيث قوة الشخصية والإلمام الشديد والمحددات التي لا لبس فيها ولا غموض.. وتحديداً حول إيران كأكبر دولة راعية للإرهاب.

هذا الوجه السعودي الجديد، يكشف لنا أننا أمام مرحلة «وطنية» واعية تقرأ الأحداث جيداً وتستشرف نتائجها وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم دون مواربة أو مجاملة، وما زيارة سمو ولي العهد لواشنطن إلا ترجمة لكل ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *