«السعودية الجديدة»

يتردد هذه الأيام مصطلح «السعودية الجديدة» في كثير من المحافل الإعلامية والسياسية، وبرز هذا المصطلح بشكل واضح إبان زيارة ولي العهد الأخيرة لبريطانيا ومصر، وتعليق كثير من السياسيين والإعلاميين على الحراك الموجود في بلادنا الآن، وفرحهم به وتقديم كل الدعم للاستمرار فيه.

جميل أن تلحظ مراكز القوى في الخارج التغير الإيجابي الذي تعيشه بلادنا، والأجمل أن يقتنع صاحب القرار والنفوذ في المؤسسات الدولية بهذا الحراك، ويشيد به، يراها من في الخارج بكل وضوح، من دون الخوض في آيديولوجيات لا تخدم المرحلة التي نعيشها، ولا تجعل الآخر يبتعد عنا، حاجباً النور الذي نحن في حاجة إليه. «السعودية الجديدة» كما سمّوها، هي مشروع ولي العهد، الذي لم يأتِ به من فراغ، بحيث لم يهدم ما قبل، ليبني عليه شيئاً مما بعد، ما يحدث هو رؤية قائد شاب أدرك بحكمة أن التغيير المحلي أصبح حتمياً في ظل التغيير الشامل في العالم ككل، ليحافظ على وطنه في الصفوف الأولى، فأزال تراكمات معينة منعتنا من الحياة السهلة، وأزال أسواراً حجبت كثيراً من الضوء عنا، وسمح لأطياف وألوان فكرية وثقافية واجتماعية أن تقدم نفسها، مع الحرص على ثوابت الدين والوطن والمجتمع.

قدم للعالم هويتنا الأصل، وأخبر من يجلس إليه أننا لسنا بدعاً من العالم، ونملك الكثير من المقومات التي تجعلنا في المقدمة حضارياً وفكرياً واقتصادياً، وأن ما أصاب مجتمعنا في فترة، من تبلد وممانعة وتطرف لا أصل له، بحيث كان ذاك شيئاً طارئاً تصاب به المجتمعات عادة، لتعيد حساباتها فتلغي كل صوت أو حضور لا يسمح بالحياة الوسطية المتوازنة.

في أكثر من حديث وتصريح لولي العهد مع مختلف الأطياف، أوضح أن مجتمعنا عاش التناقضات التي لا داعي لها، وعاش ما يريد في الخارج أكثر من عيشه لما يحب في الداخل، يجد نفسه خارج بلده، ولا يجد من يقف معه داخل حدود وطنه، وهنا الإشكال الأكبر للأفراد والمجتمعات، عندما لا تجد محاضن في الداخل فتلجأ للخارج، وتبحث فيه عن حياة تريدها!

والغريب كما يوضح ولي العهد، أننا سمحنا لآراء أحادية وأقوال يختلف معه كثيرون أن تتسيد المشهد عندنا، وتفرض أجندتها البعيدة عن واقعنا، وتفرض علينا قطيعة مع الآخر لا أصل لها وما من منطق يسكنها.

كل ما فعله ولي العهد لأجل «السعودية الجديدة» هو استعادة القرار والرأي من جهات غير مؤهلة، ومنح الأمر لجهات تعرف ماهية المجتمع، وموقعنا في الخريطة، وتفهم المقاصد والغايات، وتهتم بالكليات ولا تغرق في الجزئيات، وتسمح بالتعددية والعالمية من دون أن تمس بالأذى الخصوصية السعودية والهوية الإسلامية. ومما تتميز به «السعودية الجديدة»، أنها ليست حكراً على فئة من دون فئة، وليست حق لطائفة من دون طائفة، ولا يتفرد بها اتجاه واحد أو طيف واحد، بل هي باب كبير يسع الكل وفق وطن آمن بالله موحد وحافظ على الإسلام شريعة ودستوراً، وبايع ولاه أمره وفق منهج الكتاب والسنة، وأقام البُنيان كله على تقوى من الله حمتهُ من كل جرف وانهيار كمجتمعات كثيرة حواليه.

نفرح كثيراً ونحن نتابع زيارة الأمير محمد بن سلمان الأخيرة، ونجد الوفد المرافق له، يمثل كل مجتمعنا، عمراً وخبرةً ومؤهلاً، والكل له دوره وحضوره اللافت سياسياً واقتصادياً وثقافياً وشبابياً، لم تعد الأسماء مكررة، ولم تعد البرامج من دون علم منا أو دراية، بل نحن كلنا شركاء فيها، ونحن هنا في بلادنا وكل منا له دوره في التعليق والتأييد والمناقشة وإبداء الاهتمام وما يصحب كل اتفاق، وما يترتب عليه كل تصريح أو بيان.

«السعودية الجديدة» لكل منا دور فيها، ولا بد لنا من بصمة تزينها، كل بحسب قدرته، حتى وإن اختلفنا مع شيء فيها، سنجد كل الأبواب مفتوحة للمناقشة والحوار والسعي للأفضل دائماً، فلنبذل كل شيء لتكون الجديد الذي لا يبلى والمدهش الذي لا تنتهي إبداعاته وإنجازاته.

تغريد الطاسان

(الحياة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *