«تغيير قادة الجيش السعوديين»

منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم قبل ثلاث سنوات، وعجلة إعادة هيكلة الدولة السعودية لا تتوقف، والتحديث والتطوير يطالان جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وهكذا كان الحال في التغييرات الأخيرة التي أجراها العاهل السعودي الاثنين الماضي، إلا أن الأبرز في تقديري ما شهدته المؤسسة العسكرية السعودية، بإقرار وثيقة تطوير وزارة الدفاع المنبثقة عن استراتيجية الدفاع الوطني، التي أقرها مجلس الوزراء السعودي في مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي. يمكن القول إنها المرة الأولى التي يطلّع فيها السعوديون على تفاصيل دقيقة تخص إعادة هيكلة وزارة الدفاع، التي تشهد منذ عام 2014 أكبر عملية تحديث في تاريخها، بنموذج تشغيلي جديد يحدد أدوارها بما يضمن حماية المصالح الوطنية، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية لها، كما أنها المرة الأولى التي يسمع السعوديون عن الهيكل التنظيمي للوزارة السيادية، وإدخال الحوكمة إلى أروقتها، والعنصر الأكثر أهمية الحصول على نتائج أفضل للإنفاق السعودي على وزارة الدفاع، كما أشار ولي العهد السعودي في حواره أمس مع صحيفة «واشنطن بوست».
وإذا كان التغيير الحقيقي والكبير تمثل في إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، فلا بد من الإشارة هنا إلى تعبير «تغيير قادة الجيش السعوديين»، وهو العنوان الذي هيمن على وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها للأوامر الملكية الأخيرة، وهو من جهة، مفهوم باعتبار أن أي تغييرات في أي جيش في العالم تجد اهتماماً واسعاً من قبل وسائل الإعلام، ومن جهة أخرى، هناك لبس كبير، فمصطلح «تغيير قادة الجيش» ليس دقيقاً، فهو يوحي بأنه تم إعفاء القادة العسكريين من مناصبهم وذهبوا إلى منازلهم، بينما العكس هو الصحيح؛ إذ تم إعادة تعيين القادة العسكريين بحسب ما تتطلبه المرحلة، فمن بين ثماني قيادات عسكرية شملتهم القرارات الملكية، هناك خمسة تم ترقيتهم وتعيينهم في مواقع أخرى أقوى، أما بالنسبة للثلاثة الذين تم إعفاؤهم فاثنان منهم تم تعيينهما في مواقع أخرى مهمة، وشخص واحد فقط تمت إحالته للتقاعد، وهو ما يوضح أن التغيير في حقيقة الأمر هو تدوير للمواقع بحسب الرؤية الجديدة لوزارة الدفاع، وليس كما يوحي تعبير «تغيير القادة العسكريين» وكأن العشرات تم إعفاؤهم وتعيين آخرين بدلاً منهم.
من الواضح أن تطوير المؤسسة العسكرية السعودية يهدف إلى تقوية العمل المشترك داخل أفرع الجيش، وتحسين كفاءة الإنفاق وتحديث منظومة التسليح، والوصول إلى هدف رئيسي بأن تكون 50 في المائة من متطلبات القوات المسلحة السعودية مصنعة محلياً، فليس معقولاً أن رابع أكبر دولة في الإنفاق العسكري لا توجد لديها صناعة عسكرية، وهي الصناعة التي إن نجحت الوزارة في تحقيقها فستكون قد حققت هدفاً استراتيجياً سيوفر على ميزانيتها عشرات المليارات من الدولارات، ناهيك من خلق وظائف بعشرات الآلاف في قطاع يفترض أن يكون دوره رئيسياً في تنمية الاقتصاد الوطني، إلا أن الواقع لم يكن كذلك.
طبيعي أن أي عملية تحديث في السعودية تحظى بهذا الاهتمام الواسع في الغرب، إن كان إصلاحاً اجتماعياً أو اقتصادياً أو حرباً على الفساد أو تغييرات في المؤسسة العسكرية، فالمملكة دولة محورية ولها ثقلها على المستوى الدولي، وليست دولة تعيش على الهامش أو تسعى للفت الأنظار إليها حتى لو كانت دولة صغيرة، الأهم أن ما تقوم به السعودية من عملية إصلاح شاملة نابع من احتياجاتها ومتطلباتها الداخلية، وتقوم بذلك بمساندة قوية من شعبها، أما التكهنات والتحليلات والإشاعات عما يحدث في السعودية، فإنها لم تتوقف يوماً حتى من دون أي تغيير جذري، فما بالك والمملكة تشهد تحديثاً لم تعرفه في تاريخها؟!

سلمان الدوسري

(نقلاً عن الشرق الأوسط)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *