قطر.. الانقلاب الأسود

هذا الخليج الهادئ الجميل المتسامح لم يخلُ من خلافات قد ترقى أحياناً إلى نزاعات مدفوعة ببقايا الوصاية البريطانية على المنطقة وما خلفته من مشاكل حدودية.

تلك الخلافات وجدت فيما بعد طريقها إلى الحل بسبب حكمة القادة الذين شكلوا مرساة الاستقرار والأمان لهذا الساحل المتصالح في مواجهة التحديات الجسام التي مرت عليه خلال العقود الماضية.

ورغم التركيز على الثورة الإيرانية عام 1979 وغزو العراق للكويت العام تسعين إلا أن هناك تاريخاً ثالثاً لم يحظَ بذات الاهتمام مع أنه لا يقل خطورة عمّا سبقه من أحداث على أمن ووحدة الخليج.

في يونيو عام 1995 وبعد وداع حار وتقبيل للرأس والأيادي من ابنه حمد غادر أمير قطر الأسبق الشيخ خليفة آل ثاني الدوحة في رحلة خارجية، لم يكن يعلم حينها بأنها ستكون الأخيرة له كأمير للبلاد وأن هذه الحميمية المبالغ فيها ما هي إلا غطاء لأسوأ انقلاب داخلي تشهده قطر من بين كل الانقلابات السابقة.

على عجل دعا حمد بن خليفة وجهاء الأسرة وكبار الوزراء والمسؤولين والقادة العسكريين وجمعاً من المواطنين إلى الديوان الأميري، كانوا يظنونها مناسبة روتينية للسلام على ولي العهد لكنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم كانوا مجرد (كومبارس) في مسرحية حمد الانقلابية بعد أن ظهر في خطاب مسجل في القناة الرسمية ليعلن الاستيلاء على السلطة في انقلاب أسود على الأمير الأب.

لم يجد الأمير الشرعي سوى الاستغاثة بالحلفاء الحقيقيين في الخليج، السعودية، والإمارات، وهنا برز دور الملك فهد والشيخ زايد رحمهما الله في محاولة مخلصة من الكبار للم الشمل والحفاظ على البيت الواحد، كان باستطاعتهما حينها إعادة الأمور إلى نصابها بالقوة ولكنّ الحكمة غلبت الغضب فبقي الأب بين الرياض وأبو ظبي علّ الولد العاق يعود عن عصيانه وهو الأمل الذي لم يتحقق.

وبينما كانت الدوحة محرمة على الشيخ خليفة لسنوات فتحت أبوابها بعد عشرة أشهر فقط من الانقلاب لاستقبال رئيس الوزراء الصهيوني شمعون بيريز.. عندها عزف نشيد دولة الاحتلال لأول مرة في الخليج في قلب العاصمة القطرية.

هنا تغيرت قطر التي نعرفها.. ورغم كل جهود الاحتواء والتغاضي والحِلم.. واصل حمد سعيه لتحويل هذه الدولة الآمنة المسالمة إلى مصدر قلق وتهديد لجيرانها الأقربين ومحيطها العربي فيما يشبه (إيران) مصغرة لكن هذه المرة بذات اللسان والرداء والمذهب.

والآن.. سقطت الأقنعة ونفد الصبر وحان الوقت لوقف هذا العبث بأمننا واستقرارنا دون الالتفات إلى الحديث عن العلاقات التاريخية وأواصر المحبة وروابط الأخوة فلسنا من خانها ولسنا من انقلب عليها.

(محمد الطميحي – الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *