إنْ جاءكم فاسقٌ

لا يوجد إنسانٌ مسلم يملك حداً أدنى من المعرفة بكتاب الله إلا وقد قرأ الآية الكريمة البليغة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. ومع ذلك فإن مضامين هذه الآية الكريمة تغيب عن أذهان الكثيرين منا، وبخاصة في زمننا الحاضر الذي شاع فيه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الناس وفي مقدمتها «واتساب» و»تويتر» و»سناب شات» وبقية منتجات التواصل التي يتزايد استخدامها يوماً بعد يوم.

لقد أحزنتني مقاطع تم بثها بشكل واسع عبر مجموعات الـ»واتساب» وتحمل إساءة شخصية وعائلية لإحدى الشخصيات العامة بسبب خلط في الأسماء وتَسَرُّع من قبل بعض مستخدمي الـ»واتساب» في إعادة نشر ما يصلهم من الغير وقبوله كما لو كان حقيقة مؤكدة!!

تساءلت، وأنا أعلم أن ما تحمله المقاطع المتداولة ليست إلا أكاذيب، تُرى ما هو شعور من يعيد إرسال هذه المقاطع دون تَرَوٍ لو أنه كان في موقع الشخص الذي أسيء إليه كذباً وبهتاناً!؟

لا أخاطب الذين يتعمدون إيذاء الآخرين ويفرحون بنشر الأكاذيب وهم يعلمون إنها مجرد تلفيقات، وإنما أخاطب الذين قد يتسرعون بإعادة نشرها ظناً منهم أنها تحمل معلومات صحيحة. فالذين يعرفون أن ما ينشرونه هو مجرد أكاذيب هم أناس يضمرون الحقد تجاه الآخرين لسبب أو لآخر أو أنهم من الضعف بحيث لا يستيعون الامتناع عن نشر إشاعة يعتقدون أنها تُحدِث في نفوس مَن يتلقونها الدهشة وربما تثير الإعجاب بمعلومات مَن يرسلها!

أخاطب الذين يعيدون نشر الإشاعات الشخصية الكاذبة دون تثبت، واذكرهم بالآية الكريمة التي تحذر من إصابة الآخرين بجهالة، فإن الكثير مما يتناقله الناس ليس صحيحاً وليس من المروءة ولا من العدل أن ينزلق الإنسان في المشاركة بإشاعته.

هناك من يتشدد في تحريم الكثير من الممارسات التي اختلف الفقهاء في تحريمها أو إباحتها لكنهم يتورطون كل يوم في ممارسة سلوكيات نزلت آياتٌ كريمةٌ صريحة أو وردت أحاديث شريفة في تحريمها مثل «الغيبة» و»النميمة» و»الكذب» وغيرها من الأمور التي أصبحت لديهم عادية، لكنهم لا يسمون الكذب ولا النميمة ولا الغيبة بأسمائها وإنما يطلقون عليها أسماء أخرى لتبرير ممارستها كي لا يشعروا بتأنيب الضمير!

هؤلاء مطالبون أن يتأملوا الآية الكريمة التي وردت في مستهل المقال، فهي تمثل جمال وكمال التوجيه الإلهي من أجل إشاعة المحبة بين الناس ومن أجل صفاء القلوب والسلام الاجتماعي.

(عبدالواحد الحميد – الجزيرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *