نعم .. ربما لا

أعادني الصديق والكاتب الكبير حمد بن عبدالله القاضي، في مقال له عن طقوس الكتابة، إلى ذلك الهمّ الذي يتماسّ مع الحالة الوجدانية للكاتب في عملية أشبه بالولادة الفكرية المتعسرة التي تنتاب الكاتب “الحقيقي” المهموم بوطنه ومجتمعه، ومعهما احترام قارئ بعيد عنه مكانياً ونفسياً، يبحث عما يشبع فيه ما يحتاجه.

وهنا يكون صحيحاً ما عبّر عنه كاتب مجهول على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، من أن “لكل كاتب طقوسه قبل أن يرتكب الكتابة، أو بالأحرى لكل كاتب طقوسه قبل أن ترتكبه الكتابة.! لأن الكتابة هي الفاعل والكاتب هو المفعول به”.. وربما يكون هذا حال المبدعين دون ذكر أسماء، أما حال هذه الأيام فتتفاوت ما بين التمسك بـ”الطقس” الوجداني، وبين ما لا يستحق أن يُدرج أساساً على القائمة.!

“للكتابة طقوسها ولكن ليس طقوس المترفين “.. بهذه العبارة، عنون القاضي مقاله الشجي، وضخ من خلالها تلك الحالة الخاصة جداً، والتي تتفاوت من كاتب لآخر، وإن كانت في مجملها تكشف معاناة الفكر حينما يتحول إلى حبر يسيل على الورق، كما لا يزال يفعل معظم جيلنا، قبل أن يتحول إلى مجرد “نقرات” متسارعة على الكيبوردات المتعطشة: هل من مزيد.؟

صديقنا حمد القاضي، الذي أعتز به شخصياً وثقافياً وفكرياً هو رفيق درب طويل من المعاناة والتعب، جمعتنا عقود من الشراكة المهمومة بدهاليز البحث عن الكلمة الراقية، والتنفيس عن ذلك الهم الراكد بحثاً عن عنوان وحرف لائقين، شأننا في ذلك شأن كل الغيورين على سمعة الكلمة وأمانة الحرف ونبل المقصد. وقد ذكرتني كلماته “الشخصية جداً” مشواري مع الصحافة بكل تدرجاتها ومراحلها، حيث كانت الأفكار تخرج دائماً من رحم المعاناة، قبل أن تصبح التكنولوجيا أداةً ضرورية بفعل التقدم والتطور، لم تكن الكتابة بكل أنواعها المهنية والصحفية عملية مترفةً أبداً بل كانت قطعة من العذاب النفسي لا يزال يراودني في حضرة سيدي الحرف.. وسيدتي الكلمة. فالمخاض عسير، ورقٌ يتمزق، وشخابيط تتعثر، وحالة من الفوضى المتناثرة التي لا تنتهي إلا عندما تطل عمق الفكرة للكاتب قائلا بفرح طفولي :”وجدتها.!” فيتم إعلان الفرح النفسي والهدوء الفكري.

رغم أن الطقوس تكون أحياناً مؤلمة أو متعبة، ربما يكون ظاهرها هدوءا أو فوضى، ولكنها ضرورة لحالة خاصة جداً من التمازج بين ما هو شخصي جداً، أو اجتماعي عام، ولكلٍّ بريقه وضريبته، ولكن كما قال حبيبنا حمد القاضي.. رغم أنه تبقى للكتابة عالمها الخاص جداً ومعالمها وطقوسها ومناخها الظاهرة، إلا أن المهم ـ في رأيي ـ مضمونها كأمانة، وأثرها في النفوس كرسالة أخلاقية واجبة.

(محمد الوعيل – الرياض)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *