وتبدّلَ بتبدّل الأحوال

كان كمعظم الناس في بيئته، يعيش حياةً طبيعية جدًّا من حيث السكن، والمعيشة، فحالته المادية تبعًا للحالة المادية لوالده، وأسرته؛ في حدودها الدنيا، بالكاد تكفي لسد الحاجة وسير الحياة في أضيق الحدود، وأعني بذلك المتطلبات الأساسية للعيش، أمّا الكماليات فذاك ضربٌ من الخيال، وأمرٌ بعيد المنال.

في حينها في ذلك الوقت كانت الأمور الحياتية للمجتمع بعمومه في حد الكفاف، وثَمَّ من حالتهم الماديّة أفضل وفق نسب متفاوته.

كان شابًّا متوقد الطموح، ذا خلقٍ عال، وشمائل كريمة، ترتسم الإبتسامة على محيّاه في كل الأحوال، فنادرًا ماتجده متجهِّمًا، أو عبوسًا، يعيش حياته بطبيعتها، وصعوباتها، وأحلامها، برضا، وقناعة، علاقاته الاجتماعية، وصداقاته رائعة جدًّا، له حضورٌ وألق في محيطه، وبين زملائه، وأصدقائه.

مثله مثل الكثير من جيله، عمل على بذل الأسباب في الدراسة، والتعليم، إضافةً إلى بعض الأعمال الأخرى التي ترفد، وتضيف إلى دخل العائلة مايسدُّ رتقًا، أو يحسّن حالًا، فالتكاتف والتعاون، كان من الواجبات والمهام التي تميّز المجتمع في تلك الأعوام العابقة مروءةً، وصفاءً، ونقاءً، ووفاءً.

مرّت السنون، وتبدّلت الأحوال، وتطوّرت الأمور، وتغيّرت الأفكار فأضحت الحياة المعيشية مريحة جدًّا، بدءً من السكن وفق التصميمات الهندسية العصرية، مروراً بالمتطلبات الحياتية الأخرى، حتى توفير أفضل الكماليات، وهذا كله بفضل من الله.

جميلٌ أن يُظهرَ الإنسانُ أثرَ نعم الله عليه، وأن يتمتع بما منَّ الله عليه، وفق ضوابط لسنا في وارد الإشارة إليها.

إذًا تبدّلت أحواله المادية، والمعيشية، والتعليمية، والحياتية بعمومها، وهذا أمر طبيعي، وبديهي، وتغيّرت حاله إلى حال أفضل من حيث الماديّات، والجمادات، والمركوبات، والملبوسات، والمأكولات، والمشروبات، إلى ما هنالك من الضروريات، والكماليات.

وكل ذلك شيءٌ طبيعيٌّ، وجميل، ولا غرابة فيه، بل الغريب أن يقصّر الإنسان على نفسه، وعلى أهله، وبخاصة في المتطلبات الهامّة، والضرورية.

الأمر غير الطبيعي، هو الإنسلاخ التام من حياته السابقة، وعلاقاته وصداقاته القديمة، إلاَّ ماكان يتناغم مع مصالحه الشخصية.

لبس رداءً آخرًا، وقناعًا ممسوخًا، يتطابق بحسب تفكيره، وقناعاته مع المستوى الذي وصل إليه، فغدى إنتقائيًّا في علاقاته، وظهر الأصل الحقيقي لسلوكه، وطبيعته، والذي أضحى صدئًا نتيجةً للعوامل التي طرأت عليه، وأظهرت أصل معدنه.

فالتحوّل الكبير الذي طرأ على حياته، أحدث صعقًا كبيرًا في حياته العملية، والحياتية، والنفسية، نتج عنه تحوّلاً كبيرًا لم يستوعبه، ولم يصدّقه.

إنسلخ بالكلية، ليس في علاقاته، وصداقاته فحسب، ولكن حتى في لغته، ولهجته، وحتى مشيته، وطريقة حديثه أختلفت. أصبح إنسانًا غريبًا تبدّل كلّ شيءٍ فيه، لم يبقَ إلاَّ اسمه فقط، أجاد لبس الأقنعة، يتذكًر كلَّ شيءٍ إلاَّ ماضيه المتّشح بالفقر، والعَوز. يمثّل له ماضيه عيبًا كبيرًا لا يحبذ الوقوف عليه.

قابلت كثيرًا ممّن ولد وفي فيه ملعقة من ذهب، مَنْ كانت حياتهم مقارنةً بحياتنا، كحياة الملوك، والأثرياء، تبدّلت أحوالهم الماديّة، والعمليّة إلى الأفضل، وغدوا من المُترفين، والنُّخب، ولم يخلق ذلك في نفوسهم كِبْرًا، أوغرورًا، بل أضحوا أرقَّ، وألطفَ، وأكرمَ، من ذي قبل، جبلَّة، وخُلقٌ أصيل، لمّا يتبدّل بتبدّل الأحوال. هم كالذهب لايصدأ مهما تغيرت الظروف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *