الرأي , فنون

سينما العالم .. أفكار من خارج هوليوود

حبيب عبدالله

صحفي، عمل سابقا في الوطن، الشرق الأوسط، وصحيفة الوفاق الإلكترونية، ومجلة المجلة، ومجلة الفيصل.

هل السينما الجميلة والمثيرة توجد في هوليوود فقط، لماذا تقتصر تجارب المشاهدة لكثير منا على إنتاج هوليوود فقط، في حين تعرض شاشات دول وشعوب أخرى أفلاما بجمال وإثارة الأفلام الأميركية وربما أكثر، صورا وقصصا أكثر إلهاما وأفضل دراما استطاعت الحصول على جوائز عالمية وتقدير مهرجانات عالمية أيضا، ولكنها للأسف لم تحصل على انتباهنا المسلوب كليا من هوليوود.
تعرفت أول مرة إلى السينما العالمية عندما كنت مقيما في بريطانيا، حين اشتركت في أحد محلات شركة (Blockbuster) لتأجير الفيديو، وكان في المحل ثلاثة أقسام رئيسية للأفلام الأميركية، والبريطانية، والعالمية، وجربت عبر قسم الأفلام العالمية مشاهدة أفلام من عدة دول، اكتشفت من خلالها جمال العالم وتنوع ثقافته وقصصه وأفكاره، فالأفلام مثل للكتب، قراءة الرواية الأميركية لا يمكن أن يعوضك ويغنيك عن قراءة الرواية الكولومبية أو الصينية، بينما ولسنوات في الرياض كنت مشتركا في أحد محلات الفيديو (الماسة الزرقاء)، ولكن لم يكن يوفر سوى الأفلام الأميركية والهندية والعربية فقط.
خلال الشهر الماضي حضرت عرضا لفيلمين رائعين ومتواضعين من فنلندا وبولندا، عرضتهما سفارتا البلدين في الرياض ترويجا منهما وتعريفا بإنتاجهما السينمائي الذي يكاد يغيب تماما عن بؤرة الاهتمام بسبب السطوة الهوليوودية، وفي أكثر من مناسبة أحضر عروضا لأفلام جميلة من بلدان مختلفة لا نعرف عنها سوى أشياء بسيطة كالقهوة والجبن مثلا.
ومن فنلندا التي لا نعرف عنها سوى جودتها في التعليم وصناعتها لجوال نوكيا شاهدت فيلم الدراما (The Happiest Day in the Life of Olli Mäki) عن القصة الحقيقية لأول ملاكم فنلندي يحصل على ألقاب قارية وعالمية في وزن الريشة عام 1962م “أولي ماكي”، يحكي الفيلم قصة رومانسية عن الملاكم الذي يصبح رمزا للوطن ولكنه وبسبب مصيدة الحب التي وقع فيها يسقط في مباراة الملاكمة على بطولة العالم أمام البطل الأميركي. وهنا يتبادر للذهن اهتمام وتركيز هوليوود على بطولات مواطنيها فقط في حين تغيب مثل هذه القصة الجميلة من دولة صغيرة مثل فنلندا، وقصص أخرى ربما أكثر جمالا من دول أخرى أيضا.
أما في الفيلم البولندي (Bogowie) تعرفت إلى قصة جراح القلب زبيغنيو ريليغا الذي ورغم الظروف الصعبة التي عاشتها بولندا في حقبة الثمانينيات الميلادية استطاع أن يقود وبنجاح وفريق من الأطباء أول زراعة قلب في البلاد، يحكي الفيلم قصة الحلم الذي عاش من أجله الجراح ريليغا ونضاله لعدة سنوات ومحاولاته وفشله في البداية في عدة عمليات لزراعة القلب إضافة إلى ضعف تمويل أبحاثه وعملياته، حتى نجح في النهاية في تحقيق حلمه وكتابة تاريخ طبي جديد في بولندا، شاهدت سابقا عدة أفلام بولندية جميلة في الدراما والكوميديا، وتقدم السينما البولندية إنتاجا متنوعا سنويا ولكن للأسف لا نعرف عنها سوى أصابع شكولاته الويفر والحلاوة الصفراء التي نطلق عليها (أبو بقرة).
تقودني هذه الفكرة المتمثلة في عرض مثل هذه الأفلام الجميلة من قبل السفارات إلى ثلاث أفكار: الأولى اقتراح للسفارات والممثليات السعودية في الخارج بعرض الأفلام السعودية في مقارها ودعوة إعلاميين ومثقفين وسياسيين في كل بلد لمشاهدتها والحديث حولها والاطلاع من خلالها على مجتمعنا، لأن السينما مرآة المجتمع وتمتلك قوة هائلة أحيانا وقادرة على تحسين الصورة وتغيير القناعات والتأثير أكثر من حملات العلاقات العامة، ولنصرف جزءا من ميزانيات العلاقات العامة إلى تمويل الإنتاج المحلي للأفلام.
والفكرة الثانية هي تمويل وإنتاج أفلام درامية تحكي قصصا حقيقية من واقع مجتعمنا مثل قصة وتاريخ عمليات فصل التوائم السيامي، أو قصة تأسيس أرامكو ومعاناة البدايات، أو قصة البدو من قلب الصحراء الغامضة، وقصص أخرى كثيرة يمكن تبنيها وكتابتها وتحويلها إلى الشاشة لتصبح منتجا يحمل رسالة ثقافية سامية يمكن إرساله وعرضه في أي مكان في العالم، فأحد الأفلام الأميركية المشهورة عالميا كلف 60 ألف دولار تقريبا، وفي المقابل حصل على أرباح مالية تجاوزت 249 مليون دولار.
أما الفكرة الثالثة فهي دعوة عامة لمحبي الأفلام من السعوديين لتجربة البحث عن أفلام جديدة من دول جديدة، من فنلندا، بولندا، المجر وتركيا، من كوريا الجنوبية والفلبين، من بلجيكا وإسبانيا من أميركا الجنوبية من تشيلي والأرجنتين وحتى عربية من المغرب والجزائر، لا تتوقفوا عند حدود كاليفورنيا السينمائية وصخب البوكس أوفيس التجاري والاكتفاء بوجهة النظر وطريقة الإخراج والرؤية الأميركية، هل تصدقون أن الفلبين مثلا بدأت بصناعة الأفلام عام 1897م أي منذ 120 سنة تقريبا، وتنتج أكثر من 150 فيلما سنويا، ولم تستطع الهند تجاوزها إلا مع بداية الألفية الجديدة، وكلك الأرجنتين وبلجيكا، وهي دعوة خاصة للهتمين والعاملين بصناعة الأفلام من الشباب، شاهدوا الأفلام العالمية من مختلف الدول، وتعرفوا إلى قصصها وأفكارها البسيطة وكيف تحولت إلى أفلام رائعة بميزانيات بسيطة، ولا تركزوا على الأفلام الأميركية فقط.

وهذه رسالة حتى للعاملين بصناعة الأفلام السعودية من مخرجين ومنتجين وكتاب، بالاطلاع والاستفادة من التجارب السينمائية من دول كثيرة حول العالم وليس فقط هوليوود. ففي هذه الدول بيئة سينمائية قريبة من بيئتنا ومشابهة لها.
العالم مليء بالأفلام الجميلة والقصص الدرامية والسير الذاتية والسيناريوهات الممتعة والآراء المختلفة التي حتما ستنال إعجابكم حتى وإن خلت من الأكشن الأميركي المثير، صدقوني هناك ما هو جميل خارج هوليوود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *