الرأي

هل الكذب مشروع في صراعنا حول التحكيم والكرة؟

حبيب عبدالله

صحفي، عمل سابقا في الوطن، الشرق الأوسط، وصحيفة الوفاق الإلكترونية، ومجلة المجلة، ومجلة الفيصل.

كل عاقل يرفض خطاب التخوين والتكفير والاتهام بالرجعية والتشكيك بالوطنية الذي يسود الساحة الفكرية بسبب وصول المتحاورين لمرحلة متطرفة من الاختلاف تارة وعند عدم إيمان واقتناع أو حتى تقبل تيار فكري معين لرأي التيار الفكري الآخر تارة أخرى، ولكن هناك خطاب تخوين متشنج آخر ومسكوت عنه ومن نوع مختلف ومحله الأقدام للأسف وليس العقول، يسوده التشكيك في الذمم واتهامات بالتواطؤ وخيانة الأمانة لفريق ضد آخر إلا أنه لم يصل بعد لمرحلة التكفير والخروج من الملة بل ناوشها ضمنيا أحيانا، وهو خطاب التحكيم في مباريات كرة القدم، دخل مثقفون وإعلاميون وأكاديميون في هذا الصراع الكروي حالهم حال الجماهير البهت التي باتت الطرف الأكبر في المدرجات الغثة ومن خلف الشاشات من خلال تبني عبارات الكراهية والتخوين ضد بعضهم بعض.. بل وصل الأمر إلى مطالبة بعضهم بخضوع حكام المباريات لقسم اليمين على الالتزام بالعدل وأداء الأمانة أسوة بالقضاة في المحكمة ورجال الجيش في المعسكرات والأطباء في المستشفيات من أجل ضمان نزاهة التحكيم في “لعبة” لا ترسي حقا ولا ترد باطلا ولا تسد رمق جائع.
كثرت ترهات المقالات الصحفية وصخب المعلقين وضجيج البرامج التلفزيونية اليومية التي تناقش قضية سوء التحكيم وتتكلم في أمانة الحكام وتحقق في ميولهم التشجيعية إلى درجة اتهام بعضهم بالغش والوقوف مع فريق ضد آخر، والكل يبحث عن حل لمشكلة التحكيم ولم يصل الحل إلى أبعد من جلب حكام أجانب غير مسلمين “كفار” أحيانا ربما بسبب أنهم أكثر صدقا من الحكم المسلم أو هو بمثابة الطعن في أمانة الحكم السعودي وصد الثقة عنه وهذه مصيبة أخرى، ورغم كل هذا لم يناقش أحد أو حتى يشكك في أمانة اللاعب نفسه ومدى صدقه، وهو الذي قد يكذب ليحصل على ضربة جزاء ويتصنع السقوط أرضا لاتهام خصمه بعرقلته ودفعه زورا وبهتانا، وهو الذي قد يقسم كذبا بأن الكرة لم تلمس يده، وهو الذي ينكر تعمده عرقلة اللاعب الخصم.
إذن هل يمكن أن يكون “صدق” اللاعب العنصر الأهم في تحكيم مباريات كرة القدم والحل الأمثل لمشكلة التحكيم من أجل وقف هذا الخطاب المريض المستشري في المجتمع، وذلك عند التزام اللاعب بهذه الفضيلة الدينية وتطبيقها عند حدوث أي خطأ، بمعنى اعترافه للحكم بأنه اخطأ ويستحق العقاب والطرد مثلا.. هل يمكن لنا مجرد التفكير بهذه الصورة الأفلاطونية والتساؤل عن مدى قدرتنا على تطبيقها كفضيلة في الألعاب الرياضية وفي جميع نواحي الحياة، فما الصدق إلا فاصل بين الإيمان والنفاق، وعلى غرار المطالبة بخضوع حكام المباريات لقسم اليمين، هل يمكن خضوع اللاعبين للقسم أيضا عند حدوث أي خطأ واشتباك داخل الملعب، هل يمكن للاعب أن يكون صادقا ويعترف بأن الكرة لمست يده، أو أن الكرة لمست رجله قبل خروجها من الملعب، أم أن هناك من له رأي مختلف وهو أن فضيلة الصدق تقتل إثارة اللعبة، حتى أصبح اللاعب الكذاب والمرواغ “الممثل” يسمى محترفا وأصبحت سمة الكذب والتضليل متجذرة في اللعبة وأسلوبا ضروريا للفوز.
لن أخوض في الحديث عن واجب الصدق وفضائله ولن أتطرق للآيات والأحاديث الكثيرة الموجبة والداعية له، ولن أذكر مكانة الصدق في الإسلام ومركزه في أخلاقيات المسلم وأنه الفارق الذي يميز المؤمن من المنافق، بل يكفي أن أذكر بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عرُف بالصادق الأمين ولم يبعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق ومن ضمنها الصدق والأمانة، فما أحوجنا للصدق وللصادقين.. الالتزام بأخلاقيات الإسلام إنما هي دعوة يمكن تطبيقها في شتى مناحي الحياة وليس في الصدق فقط، فمثلا لو التزم كل مواطن بالنظافة والمحافظة على نظافة كل مكان، لما احتجنا لعشرات الآلاف من العمال الأجانب الذي قد يفوق عددهم عدد أفراد الجيش، وهنا الخلل !! فجلب عامل النظافة الأجنبي مثل جلب الحكم الأجنبي لن يحل المشكلة أبدا، بل هي حلول مؤقتة ومكلفة ماليا أيضا تستنزف أموالنا وتدمر قيمنا الدينية.
من المفارقات في الرياضة وخاصة كرة القدم ما اعتدنا عليه من سماع عبارة “التنافس الرياضي الشريف” والذي أصبح غير شريف للأسف لغياب الصدق والجرأة على الطعن في الأمانة وبث الكراهية وتأصيل الكذب والخداع بين الناس وخاصة شريحة المراهقين والشباب، فأي شرف يمكن للرياضة نشره وتكريسه؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *