الذئب

في مجتمعنا العربي، وغالبًا في المجتمع الخليجي، وعلى وجه الخصوص في مجتمعنا السعودي كثيرًا ما يتم استخدام اسم، ونعت، وصفة “الذئب”، للرجل الذي له صفات خاصة من وجهة نظر من يطلقون هذه التسمية، أو مَنْ تُطلق عليهم.

كما أن هذا الوصف مسمّى جميل لكثير من الرجال: كفهد، ونمر، وصقر ، وغيرها من الأسماء التي يقصد بها غالبًا التفاؤل بالشجاعة، والجسارة، والإقدام ، والفزعة.. إلى آخره، غالبًا مايوصَفُ بها من يتحلّى بخصائص، وصفات عديدة منها: الحضور، والنّجدة، والشهامة.. إلى آخره.

ما أردت الإضاءة عليه هو ذلك الذئب الذي أخذ المشهد بالعموم فهو الذي يعيش وِفْقَ مقولة: إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب. هذا المنطلق الخاطيء، جعله يعيش في صراع دائم مع كل شيء.

قابلت الكثير من أولئك الذئاب في أماكن عديدة، ومناسبات، وأزمنة مختلفة، ترى أحدهم يجول في كافة الأنحاء إستهواه اللقب، فدلالات، وصفات من يملك هذا اللّقب، أو الوصف تعني له الكثير من الأهميّة، والمكانة.

تقمّص هذا اللقب، فارتاح له، يفرح كثيرًا إذا ما نادوهُ بـ (الذيب) وإن غاب سألوا عنه: (وين الذيب؟)، إذا ما حضر هذا الذيب في مشهدٍ مّا تراه فاردًا جنبيه منتشيًا.

وتختلف النّشوة، ويختلف الزّهو من ذئب لآخر، بقَدَرِ جرأته، وشجاعته، وإقدامه، وكرّه، وفرّه في ميادين الصّيد، وساحات المصلحة يتميّز نوع هذا الذئب؛ فهناك ذيب صفاته، وخبراته، وأدواته، وانجازاته معقولة أهم مكتسباته، وانجازاته أن يكون دومًا حاضرًا في المشهد العام.

خبراته تجعل منه قادرًا على معرفة من أين تؤكل الكتف؟ يجمع بين مصالحه الشخصية، والمصالح الأخرى إلى حدٍّ مّا. يحرص في نزالاته أن يكون في دائرة الضوء، ومحط الإهتمام، وقطف كل ماتطوله يده بطرُقِه ووسائله الخاصة.

وهو غالبًا كما أن لحضوره، وكسبهً، وصيده فوائد إلى حدًّ مّا، إلا أنَّ جَلَبتَه، وانقضاضه يحدثان فوضى في المشهد العام، الأمر الذي يعطّل بعضًا من المصلحة العامّة، فزاوية النظر إليه محدودة جدًّا، تضبطها المصالح الخاصةجدًّا، والخاصّة بميدانه الذي يؤطر مكتسباته.

إلى حدٍّ مّا هذا الذيب (حْليلْ) مع الذيب الحقيقي، المفترس، والذي تقمّص الدور بجدارة، فأخذ يكتسحُ الكل، فالغايات لديه تبرّر الوسائل. إن أراد شيئًا لا يجيزه النظام التفّ وتحايل عليه ليحقق مآربه. أليس ذئبًا؟ إذا صعب عليه أمرٌ مّا لبس القناع الذي يمكّنه من تذليله، ونيله. أليس ذئبًا؟.

غالبًا من حوله يباركون هذا الأمر فيخلعون عليه هذه التسمية إمّا لأنهم في دائرة المنفعة من صيده، أو من نفعه حسب المقام.

هذا الذيب المفترس في سبيل مصلحته يتجاوز كل المبادئ. هذا الذيب في سبيل مصلحته يتنازل عن كثير من المبادئ. هذا الذيب في سبيل مصلحته يتحلّى بأنبل الشمائل.

تتبدل أحواله حسب مصلحته، الأقنعة لديه كثيرة، بالتجربة اعتاد على استغلال الفرص، وبالدّربة، والمران أضحى ماهرًا باغتنام أنصافها.

هذا الذيب يملك أدوات الصيد التي تليق بمهامّه. ثَمّة من يبارك أفعال الذئاب البشرية، والتي تأنف منها الذئاب الحقيقية، أو الرجال  الذين تسمّوا بهذا الاسم تيمّناً بالجرأة، والإقدام، والقوّة، والنجدة فحسب، وتأبى نفوسهم الإنزلاق في وحَلِ الأنانيّة، وإلحاق الضرر بالآخرين، وبالمصالح العامّة.

فلانٌ ذيب غدت وصفًا يستهوي الكثير، يبرّر ذلك قولهم: “إن لم تكن ذئبًا، أكلتك الذئاب”.

أيُّ نزالٍ هذا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *