الهروب إلى المجهول

ضاقَ الأُفق، وشحّت الإمكانات.

تبعثر الأمل، وزادت الأنَّات.

ليلٌ باردٌ دامسٌ يرخي سدولَهُ على كافة أنحاء شرقيِّ حلب، وريفِ حماة، وريف دمشق، وإدلب، وداريّا، والفوعة،ومضايا، وغيرها من المدن، والقرى، والأرياف السوريّة المكلومة، يعقبهُ ليلٌ أشدُّ، وأنكى، يكتمُ الأنفاسَ ويقتلُ الحياة.

يهربُ الإنسانُ غالبًا من الألمِ إلى الأمل، ومن الخوفِ إلى الأمن، ومن الجوع إلى العَيْشْ،والطعام، ومن الشِّدة إلى الرخاء، فهو يبحث عن الحياة، ويهربُ من الموت، يهربُ من المرضِ، ويبحث عن الصحةِ والشفاء، بمعنى أنَّ تلك فطرة درج عليها الإنسان ُ فهو يبحث عن البقاء، والوجود في الحياة بمعانيها، وأسمائها المختلفة، فالغريزة الإنسانية جُبلت على حُبِّ العَيش والبقاء؛ بالبحث عن الرزق، وأيضًا الحياة بالبحث عن الأمن والأمان.

قال تعالى:(الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف) سوره قريش، الآية ٤

المشهد العام في سوريا معقّدٌ جدًّا؛ تشي أحداثُه بمتغيّراتٍ، ومفاهيمَ جديدة، وغريبة، ومتعدّدة، فالأحداثُ، والوقائعُ التي تحدثُ هناك بالفعل تجعلُ العاقلَ حيرانًا لما يلاحظه من تعقيدات كبيرة على الساحتين السياسية، والأمنية.

ما أريدُ الإضاءةَ عليه، ليس المسار السياسي وتعقيداته، وليس المسار الأمني وأولوياته، فالأمرُ أضحى جليًّا يتناغمُ مع رغبات، ومصالح الكثير من الدول الغربية، والدولة الإسرائيلية، والدولة الإيرانية الصفوية الشيعية؛ بكافة أطيافها، وميليشياتها وحشودها الشعبية الشيعية العبثيّة، والشيوعية الروسية المتنمرة، فهم حتمًا لايهرولون عبثًا، فكُلٌّ له مطامع، لايسمح المجالُ بسردها.

كلُّ تلك المطامع، والمصالح، وتبادل الأدوار، والمنافع لاتغيب عن كلِّ ذي لُبٍّ، فكل الأمور تجري ضمن أجندة سياسية هدفها واحد، وإن حصل ثمّ تغيير في الخطط، حسب مقتضيات الأمر.

ما أردت الإضاءة عليه هو:

أن الهروب من العذاب – والذي يعتبر أشد من الموت – وطلب اللجوء، والبحث عن الطعام والأمان، ليس متاحًا داخل الأراضي السورية، وهذه حالة من الحالات الغريبة، والقليلة جدًّا، لأنها ليست ذات جدوى، فهي تعني الهروب من الموت إلى الموت البطيء، ومن الخوف إلى عدم الأمان، والهروب من التشتّت إلى الضياع.

فالهروب من المعلومِ بواقعه المرير، إلى المجهولٍ- ضمنًا – بواقعه الأليم، وتبدّلاته اللحظية، يمثّل عذابًا أكبر،وأقسى، وكذلك مايقلق السوريين، أنه لايلوحُ في الأفُقِ بادرةُ خيرٍ تبعث على الأمل؛ بحلٍّ في أقلِّ درجاته استتباب الأمن، والعيش البسيط، ماجعل أغلب الشعب السّوري في حيرة من أمرهم ليس هو:

بِذا قَضَتِ الأيَّامُ مابينَ أهلِها

مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ

(المتنبّي)

وإنِّما هو:

وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً

على المرء من وقعِ الحُسامِ المُهنَّدِ

(طرفة بن العبد)

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *