لا للتجنيس

تتعالى أصوات في الوسط الرياضي السعودي، تطالب بتجنيس بعض اللاعبين المتاحين في الدوري للاستفادة منهم في المنتخب الأخضر خلال مسيرته نحو المونديال. الفكرة في ظاهرها براقة لامعة ومغرية، تماما كرجل يعرض عليه مبلغ من المال للتنازل مرة عن مبادئه، تضغط عليه الحاجة، فيقبل اعتقادا أنها مرة وكفى، ولا يعلم أن المال سيذهب ويبقى مسلسل التنازلات مستمرا.

لست ضد التجنيس في ذاته، لكنني مع النظام، الذي يكفل حقوق الأجيال حاضرا ومستقبلا، وقناعتي دائما أن الإنسان ابن الأرض التي ولد عليها، لا يمكن أن تفصله عنها أوراق أو تصله بأرض أخرى أوراق أخرى، وأؤمن بأن أي مولود على أرض ما يستحق أن يحمل هويتها، إذا استوفى الشروط التي سنها النظام.

يستشهد داعمو التوجه نحو تجنيس المواهب الرياضية، بمنتخبات أوروبية جنست ونجحت، وأبرز الأمثلة منتخب فرنسا الفائز بمونديال 1998، وفيه لاعبان فقط من أصول فرنسية خالصة مقابل أصول متنوعة أخرى، ولا يعلم هؤلاء أن أفراد المجموعة الثانية كلهم أخذوا الهوية الفرنسية قبل أن يصبحوا لاعبين دوليين وفقا للنظام الأساسي للجنسية الذي صادق عليه برلمان البلاد، وفق الشروط الموضوعة. مثال آخر الولايات المتحدة الأمريكية، لديها أكثر من رياضي في لعبات السلة والقوى، من أصول ليست أمريكية، وكلهم لم يحصلوا على استثناء واحد في مقابل تفوقهم الرياضي بل نالوا الجنسية وفق حقوق المواطنة المكتسبة.

لكل بلد نظامها الخاص وقانونها المعلن في منح الجنسية، وليس من بينها التفوق الرياضي تحديدا، ولذلك أنا مع التجنيس لمواليد البلاد الذين استوفوا الشروط الخاصة، ومع منح الجنسية استثناءً للمتفوقين في تخصصات لا يوجد فيها أحد من أبناء البلاد ويحتاج إليهم المجتمع، كالتخصصات الدقيقة في الطب والصناعة على سبيل المثال.

تجنيس لاعبين للعب في صفوف المنتخب الوطني فقط، يقلل من قيمة البلاد، ويهين أبناءها، ما لم يكونوا من مواليدها المستوفين للشروط، ويقتل فرحة الإنجاز الحقيقي بسواعد أبنائه، ويحدث خللا في النظام والتركيبة الاجتماعية، ويفتح بابا لا يغلق في كسر القانون.

أحب عمر السومة كثيرا، وألتون، وأحب بلادي أكثر، وأبناءها، وأتمنى للأجيال القادمة مستقبلا أفضل، وإذا أراد الاتحاد السعودي المضي قدما في مطالباته بالتجنيس فعليه أن يدعمها بالقانون لا الاستثناءات، وأن يبتعد عن تحقيق نتائج وقتية تزول بزوال مسبباتها، فالعمل المرحلي المؤسس والمدعوم بتخطيط بعيد المدى، سيمنح منتخباتنا الوطنية أكثر من سومة وأكثر من ألتون، وفي التاريخ الرياضي السعودي متفوقون يفوقونهما كثيرا ولدوا على هذه الأرض، وتشربوا حبها، وخدموها حبا وكرامة، ونستطيع أن نحصل على كثير مثلهم بالعمل، فأرضنا ولادة منذ قدم التاريخ.

حقيقة لا مبالغة، لن أشعر بمتعة انتصار وطني كما يجب، إذا شابته شائبة استعارة لاعب ليس من هذه الأرض، وإن حدث ستبقى هناك غصة في الحلق، لا تهضم ولا تعود من طريقها.

حري بالاتحاد السعودي، أن يعزز الثقة بأبنائه، وأن يقلب صفحات التاريخ الأخضر الرياضي ويستفيد من التجارب، ويفكر في المستقبل، بعيدا عن التركيز تحت قدميه فقط.

بتال القوس

نقلا عن “الاقتصادية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *